Friday, May 10, 2013

الرئيس يسأل ونحن لا نجيب!




الرئيس يسأل ونحن لا نجيب!

وجدت نفسي أجري حوارا للمرة الألف مع رئيس الجمهورية في أحد بيوته التي لا أعرف أين تقع، بعد أن كنت أجده عادة في بيته بالتلفزيون، أو أجد التلفزيون عنده في بيته. هذه المرة لم أجده لا في البيت ولا في التلفزيون، وجدته يصلح في التلفزيون بعد أن فسدت الصورة وخسر "التلكوماند". قلت له: سيادة الرئيس، واش بيك وليت إلكتريسيان على كبرك؟راك قريب توللي ماصو!..رد علي مقطبا وغاضبا: وأنت منين دخلت؟وواش دخلك؟ راني مانع أي واحد يدخل علي في هذا المكان. كرهت منكم ومن مشاكلكم، خطوني في راسي، خلوني طرانكيل يرحم والديكم! قلت له: سيادة الرئيس، أنا صحافي مقرب منك وتعرفني جيدا، ليس هذا هو الحوار الأول وأتمنى أن يكون الأخير، وقد أجريت معك  ألف حوار..ولم ينشر منه ولا حوار واحد، وأريد منك حوارا أخير لأكون بذلك قد سجلت "ألف حوار وحوار" مع الرئيس لوحده ولم ينشر منه ولا حوار! قال لي ضاحكا: الله يحورك ياوحد الجايح! تفضل أنت تسأل ونحن نجيب: قلت له: واقيلا راك وليت مفتي الجمهورية وأحنا ما علابالناش! هذا ما كان باقي لنا .. وهذا أيضا ما كان باقي لك! أنت الكل في الكل..كان يخصك غير الإفتاء وراك وصلتها! قال لي: هذا هو السؤال انتاعك؟.. قلت له: مثلا!!. يالله ليكون كذلك! ما هو مشروع دار الفتية بالجزائر على خلفية الصراع المذهبي والإيديولوجي السياسى الديني؟.قال لي: في الحقيقة، الاقتصاد بخير والنفط كذلك، والثورة الجزائرية عظيمة ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين. الحمد لله على نعمة الاستقلال. ما هو السؤال اللي بعده؟. قلت له: والسؤال الأول؟ لم تجبني عليه! قال لي: لقد قمنا بكل ما كان علينا أن نقوم به منذ تولينا مسؤولية هذا البلد الآمن المطمئن. لقيد قمت بما لم يقم به أي رئيس في البلاد الأحياء منهم والأموات. هذا هو الجواب. قلت له: والإفتاء، ومفتي الجمهورية! قال لي: نحن لا يمهمنا موقف أمريكا ولا فرنسا في مالي ولا بريطانيا في سوريا، الوضع خطير على الحدود ويجب أن نكون حذرين. قلت له: والسؤال؟..أين هو الجواب؟: قال لي: لقد أجبنا على كل تساؤلات المواطنين ونحن نحضر لتعديل الدستور بما يمسح بتعزيز منصب رئيس الجمهورية ليصبح الرئيس  كالملك على عرش جمهوري: يحكم ولا يملك. قلت له: واقيلا لا تريد أن تجيبني على سؤالي، السؤال الثاني: ماذا أنت فاعل بقضية فضيحة سوناطراك وباقي الفضائح المالية والرشاوي التي هزت العرش؟ قال لي: دورنا نحن هو تقديم النصح لأخوتنا في تونس، نريد من هذا البلد الجار أن يعيش في وئام وسلام. نفس الشيء مع الشعب الليبي الشقيق الذي تربطنا به أواصر المحبة والإخاء. قلت له: أعيد السؤال بشكل آخر: راني نقول لك ونفهمك مليح إذا بغيت تفهم: السوناطراك..البقرة الحلوب، الرشاوي ، العمولات الفساد! واش ما راكش تشوف؟. قال لي: في سوريا، نفس الشيء، نريد حوارا بين الفرقاء ولا يجب أن يدخل السلاح لحسم الموقف. السلاح لمحاربة الإرهاب وليس للقتال الداخلي بين الأخوة. قلت له: معنى هذا أنه كالعادة "لا حدث" في قضية سوناطراك؟..حتى مش حتى كقضية الخليفية؟..قال لي: من ينادون بالخلافة، واهمون! نحن بلد ديمقراطي رئاسي مش برلماني، والشعب عليه أن يعرف أن جنانه مازال ما طابش. الديمقراطية ما تصلحلهش. الديمقراطية هي ديمقراطية النخبة وليس ديمقراطية الغوغاء فهمت؟ هي بركاني من تكسار الراس، خليني نشوف هذا الزبل ماله ما يخدمش! قلت له: والبطالة؟ والبيروقراطية التي تفتك بالمواطن وأطنان الأوراق لكل ملف حتى لأبسط وثيقة كتجديد بطاقية الهوية والباسبور وورقة "المرض" التي تسمونها بالشفاء..قال لي: تحلية المياه قد قمنا بها والحمد لله الآن ليس هناك مشكلة للمياه. واسأل من تريد! قلت له: وقضية تقنتورين ماذا فعلتم مع القوى الدولية التي هلك رعاياها في الاعتداء؟. قال لي: الطريق السيار لم يكن يحلم به أحد، وهو اليوم كما ترون مفخرة للجزائر المستقلة. ألا يكفي هذا لكي نعطي لكل ذي حق حقه؟ قلت له: والتزوير و6 ملايين مسجل وهمي مع المنتخبين، والانتخابات الأخيرة، وإضرابات القطاعات من الوظيف العمومي إلى تلامذتنا النوابغ في ثانوية القبة، إلى الحرس البلدي، إلى أصحاب البوشطة. ما قولك فيها وفي النقابة المتواطئة مع الحكومة ضد الشعب؟ قال لي: النقل قد تم تطويره وانظروا إلى الطرام في العاصمة ووهران وقسنطينة والميترو في العاصمة ثم مشروع السكك الحديدية بين مختلف النواحي، أليس هذا عمل جبار؟! قلت له: بل عمل الجبابرة، أكلت هذه المشاريع الأضعاف المضاعفة من تكلفتها والتي ذهبت في معظمها لجيوب المؤسسات والأشخاص المتعاملين والعاملين عليها والمعلفة بطونهم، فما أنت فاعلون؟. قال لي: السيولة النقدية موجودة، وقد قررنا تغيير ورقة 200 دينار التي لم تكن في المستوى وقررنا أن نصرف على كل ورقة نقدية من هذه الفئة 100 دينار لكي نحسن من وجهها. قلت له: سيادة الرئيس، شكرا على كل هذه الأسئلة التي سألتني عليها ولم أتمكن من الإجابة عليك..شكرا للمرة "ألف مرة ومرة".
وأفيق من نومي على صوت ابنتي وهي تناديني: بابا.. التلفون ..صونا.. قلت لها وأنا مدردز بالنعاس.. صونا؟.. صونا؟.. آآه.. صونا...سوناطراك!؟؟؟؟ مالها خونوها قااااع!! مشااات؟ بحححح؟؟؟؟ البقرة مشارة...مووووووه... (ورحت أنبح وأعوي وأخور كالبقرة وأبنائي يتصايحون كالجذيان: بابا..بابا...وقد عرفوا أني هبلت...!).

"كرنشال في دفلة"!




"كرنشال في دفلة"!

من العيب والعار، أن يسكت السياسيون والأحزاب دهرا لينطقوا كفرا وليخرجوا من السر إلى العلن، بمجرد أن يأتيهم نبأ بأن الرئيس على شفا حفرة من المرض، ليشرعوا في قرع طبول الترشح وخلافة الخليفة باعتباره "الرجل المريض" الذي على العقبان أن تتسارع لنهش الجثث وهي حية قبل أن ترحل. لا أتحدث هنا عن المخلصين الذين يهمهم بالفعل مصالح البلاد والعباد ومصير الجزائر في هذه الأوقات الحرجة والعصية، بل أعني أولائك الذين سكتوا لينطقوا، دون أن يكونوا قد قدموا شيئا لا في السابق ولا في اللاحق لهذا البلد، أو أولائك الذين "تمرغوا" في دواليب الحكم لسنوات دون أن يحققوا شيئا لوطنهم بقدر ما حققوه لبطونهم. فليس من العيب أن نفكر فيما بعد العهدة الرابع، بل هو واجب حتى ما بعد ذلك، وعلى العكس تماما، فإنه من العيب ألا نفكر في ما بعد العهدة الرابعة والخامسة والعاشرة، ذلك لأننا تعودنا في هذا البلد الذي لم يخرج من دائرة "الانتقالية" منذ 50 سنة!!، لا نفكر بذهنية رجال الجدولة ولا حتى بفكر "دولة الرجال:"، بل نفكر بعقلية "الحكومات" والماندات". سواء تعلق الأمر بالحكومة، بوزرائها ومدرائها ونوابها ورئيسها، أو تعلق الأمر حتى بولاتها وأميارها. إننا نفكر بعقلية ماذا أفعل خلال عهدتي (الأولى والثانية أو الثالثة)، وماذا أكون عليه بعد هذه المدة، وليس ماذا يكون عليه البلد أو الولاية أو الدولة بعد هذه المدة . إننا لا نفكر ماذا يجب على البلاد أن تكون عليه بعد 50 أو 80 أو حتى 30 أوعشرين سنة، لا نفكر إلا في اليوم والغد القريب جدا. وهذا ما جعلنا لا نتطور إلا لنتأخر: خطوة إلا الأمام، خطوتان إلى الوراء في أحسن تقدير، أي أننا إذا لم نتأخر ، فلم نتقدم. وما حصل عندنا من تأخر خلال العشرين سنة الماضية، يتطلب منا ليس فقط خطوة إلى الأمام، بل خطوتان إلى الأمام دون أية خطوة إلى الخلف..على الأقل.
الخروج الحذر لكثير من الأسماء المتململة في الأحزاب لتبحث عن ضوء جديد في عز ظلمة السنوات الأخيرة، يوحي بأشياء كثيرة: إما أن الحروب السياسية القادمة ستكون بلا أخلاق من جديد، وإما أن تتحسن ألأوضاع بانفتاح أكبر في مجال الحريات السياسية. كل هذا يعود إلى طبيعة تعاملنا مع المرحلة التي تفصل بيننا وبين الرئاسيات المقبلة.
صحيح أن الرئيس قد أغلق اللعب السياسي خلال العهدات الأخيرة، بحيث أن الكل قد فهم أنه لا يمكن منافسة رئيس باق في السلطة ومرشح جديد لعهدة جديدة. فالرؤساء المرشحون في العالم العربي، يفوزون دوما. غير ممكن أن يخسر الانتخابات رئيس مرشح! والسبب، هو أنه زيادة على احتمال التزوير، وتدخل الإدارة ومؤسسات الحكم والدولة في ذلك، فإن استعمال الرئيس للأملاك الدولة والشهرة والتلفزيون وتجند الإدارة بكل أصنافها في هذا الاتجاه، يجعل من المرشحين الآخرين أقزاما وأرانب لتنميق اللعب وصناعة الفرجة فقط. صحيح أن الانتخابات منذ توقيف المسار الانتخابي، لم تعد إلى سابق عهدها، بل وصارت عنوانا جديدا للبؤس السياسي والعزوف الشعبي عنها، صار هو السمة البارزة لهذه الانتخابات الشعبية بلا شعب منتخب! فأصبحت بذلك، مدرسة للتهريج والسخرية ومسرحا فكاهيا أمام الناس وبهم. غير أن هذا لا يعني أن نهيئ أنفسنا للعب وقلب المعطف أحيانا بمجرد أن نشعر بأن الرئيس على فراش المرض أو قد يعجز على أن يترشح ،أو ليس في نيته أصلا الترشح(وهذا تقديري الخاص، أنه لن يترشح حتى ولو لم يمرض، فهو يعرف أن عهدة رابعة قد تطيح من قيمته أكثر ما تعطيها له، وأن يخرج من الباب الكبير، خير من ألا يخرج على الإطلاق، لا من الباب الكبير ولا من النافذة).
من العيب أن نرى أسماء،التي  أبدت رغبتها في الترشح، بدت فرحة بكون الرئيس سيفسح المجال أمام الجميع بعدم الترشح بسبب مرضه وعجزه المفترض، كل هذا وهم يعلمون أن ترشحهم لا يعني بالضرورة فوزهم، فهو يعرفون سلفا ذلك، لكن ما يهمهم أكثر ليس الفوز بالأساس (ولو أنهم يحلمون بهم في المنام دون أن يتحقق لهم ذلك حتى في سابع نومة)، لكن لمجرد الترشح للرئاسيات، فهم يتمنون أن يختفي الرجل، ليقال عنهم "مرشحين لرئاسة الجزائر" والبعض منهم لا يستطيع أن يترشح حتى في كأس من الماء، لأن الإناء بما فيه يرشح، ويخشى أن تبدو مثالبهم أمام الجميع. لكن هذا لا يهم بالنسبة لهم، فقد بلغمنا مرحلة من الوقاحة السياسة أن صرنا لا نستحي ونفعل ما نشاء. العبرة عندهم بالخواتم، المهم أن يكون هو "سيد الخواتم"، أو يقال عنه "سيدي..فلان." (وزيرا كان أو واليا أو رئيسا.. أو حتى رئيس بليدة.. المهم رئيس,, والسلام). هذه الفئة كثيرا ما عرفناها بعد الانفتاح السياسية وتكون الحزيبات المجهرية، التي كبرت اليوم وصارت "فيرس" إيبولا، (في الظل، بعد غابت كأسماء وكأحزاب عن الساحة منذ عشرين سنة)، تعود لتبدو أنها راغبة في الترشح للرئاسيات المقبلة. شيء لا يمكن فهمه (ولو أننا فهمناه) أو تفسيره (ولو أننا فسرناه) أو تصديقه، (ولو أننا لم نصدقه)، ولا يمكن تمثيله إلا بما مثله عثمان عريوات في كرنفال في دشرة، لأن ما يحدث عندنا اليوم، هو ألعن من كرنفال في دشرة، لأن ما يحدث اليوم عندنا هو "كرنشال في دفلة"!

"الجزائر العقيمة"؟



"الجزائر العقيمة"؟

وجدت نفسي أدخل المستشفى على عجل بسبب ضغط دم، أوصلني إلى حد أن كدت معها أن أشل أو أفقد الحياة من جراء الغضب والنرفزة التي ألمت بي وأنا أطالع التقارير والملفات الساخنة التي وضعت على مكتبي قبل قيل من طرف عمي عمر.
كنت عاجزا على أن أقرأ سطرا قبل اليوم، كنت أسمع التلفزيون وأحيانا يقرؤون لي الجرائد، لاسيما الأبراج، وصفحات النكت والألعاب، وكنت جد مطمئن لمصالحي في أن الأمور تمشي على أحسن ما يرام. الأخبار التي كانت تصلني والتقارير واجتماعات مجلس الوزراء كلها كانت مطمئنة، بل وأكثر، كانوا يقولون لي أننا "بنينا جنة في الجزائر" من طرف الشناوة، الناس لن يكونوا مجبرين على التفكير أين توجد الجنة، فالجنة تحت أقدام الرئيس. الجنة هنا، وهنا سيحشر كل الخيرين من الناس. قلت لهم بالفرنسة" Bon alors، وين جات جهنم ؟..." قالوا لي: في المغرب!  لهذا طلبت منهم عدم فتح الحدود وغلقها نهائيا، فلا أحد منا يريد الدخول إلى جهنم، ومن أراد ذلك فليذهب إلى الجحيم... جوا.
سألتهم عن أحوال الرعية، قالوا بأنهم يتنعمون، ولا ينقصهم شيء، إنهم فرحون مسرورون على هذه النعمة.
صدقت ولا زلت أصدق أني أصدق! الواقع أني أنا  أيضا ركنت إلى الراحة قليلا بتوصية من الطبيب، وما كان علي أن أجعل لي طبيبا يمنعني من الخروج والنزول كما كنت أفعل في السابق إلى الجزائر العميقة، فكل ما صرت أقوم به منذ سنوات خلت، أني صرت لا أعرف إلا "الجزائر العقيمة"، التي كانت تقدم لي خلال الزيارات الرسمية والمعلنة والمبرمجة والمهيأة سلفا والمخرجة تلفزيونيا وسينمائيا، كما نفعل مع الديكور المتنقل، كانوا "يزورونني" (مش أنا من "يزور") أماكن، أحياء ومؤسسات، لا أري غيرها: يبنون الأشجار ويركبون ديكور الحدائق المعلقة وأراها في التلفزيون، فلا أصدق! إنها أروع من أن ترها بالعين المجردة.... (من النظارات). شيء مبهر! أنحن في الجزائر حقا؟ صدق مطرب حزب جبهة التحرير والثورة الزراعية (سعيد السايح)، عندما قال : هذا ريف بلادنا زلة جنة...هذو ناس أحرار سادة رجعوا فيه....الثورة نحات عنهم المحنة... والتراب الزين ولاو مواليه"! إيه الله يرحمك يا...كي يسموه بعدة؟..مات وإلا راه عاد حي؟ والله ما علا بالي!
كان الإخراج التلفزيوني يزيد جمالا على جمال الصورة الواقعية والحقيقة لتطور الجزائر والشعب الجزائري! لقد قضينا على البطالة "هذا شحال من عام"، التضخم "قلعنا له جد والديه"، الأسعار؟ "خلاص..ثلاثة كيلوا بعشرين"..! "ما بقاوش الفقراء هذا زمان". انتهت السرقات.."المرأة تمشي من باب الواد لرويسو في منتصف الليل ومعها عشرون كيلو.. كيف.. آآه..لوزيز.. وأورو ، ماتخافش.". "الدينار راه خير من الدولار، راه يتصرف في المغرب وفي تونش والعمرة والحج (بصح باش؟؟ بفرنك ونص!)"، "الأطباء راهم يخلصوا خير من الوزراء"، "العمال كلهم زدنالهم في الخلصة حتى بداو يردوا اللي شاط عليهم للدولة"! الخيرات في كل مكان! الاستيراد قل، والإنتاج الوطني زاد حتى في التصدير. الصادرات الجزائرية من غير النفط، "راها تفوق صادرات النفط|، الأدوية، نصنعها محليا، ولا دواء واحد يدخل، بل نصدر (المرض ..ربما!). الجوائز؟ كل مرة نتحصل على المراتب الأولى (.. في ذيل القائمة!) في العالم. أرقام مدهشة، بالفعل، والحقائق على الأرض كما رأيتها (أو رأوها هو إلي!) واقعية.. "أنا شفت بعيني!..ما كان لا ربيع عربي ولا أمازيغي.. كملنا مع هذا الحس..خلاص الشعب دخل الجنة، واللي بغا يدخل للنار، هاهي الحدود وطراباندو  والمازون كاين.. وليسانس كاين كذلك"!
هذا، ما كان يقال ما قيل وما قدم وما كتب لي في التقارير الشفهية والكتابية في الزيارات الميدانية.
كان علي أن أستقبل، على مضض أحد المجاهدين الأقارب الأباعد، (دخلته بالسيف، هبلني..خرجني من عقلي)، كان معي في الثورة، ولم أره منذ ثلاثين سنة. لا يزال فلاحا في قريته النائية، لم يستفيد من أي شيء ولم ويسجل نفسه حتى مجاهدا. رفض أن يتاجر بالجهاد. متعلم وحافظ للقرآن، كل أبنائه صاروا أطباء ومهندسين وطيارين، وبقي هو فلاحا يفلح قطعة أرض عائلية إلى اليوم هو وثلاثة من أحفاده. منعوه من الدخول أكثر من مرة، كانوا يمنعونني من أن يتصل بي أيضا، فصرت أنا الآخر أتمنع عن استقبال أخباره ومكالماته من حين لأخر. لكن هذه المرة، قررت أن استقبله لدواعي عائلية..فقد أخبرهم أن المسألة عائلية، فتركته يحضر، لكنهم اشترطوا عليه ألا تتجاوز مدة الاستقبال 10 دقائق، بحجة أني مريض ولي أعمال شاقة وأجندة مليئة حد الحلقوم،، وهذا قبل أن يدخل علي، ليروي لي الحقائق... وبالملفات. كان قد دخل بمحفظة، لم يتركوه أن يدخلها فأخفاها تحت جلبابه بحيث لم يتمكن الحرس من اكتشافها. فعادة ما يدخل عندي أحد من غير الشخصيات أن يجرد من ثيابه ويستحم حتى لا ينقل لي مرض أنفلوانزا الخنازير.
استقبلته واعتذرت له تحت عدة أعذار قبل أن ينقل إلي الأخبار كلها عن الجنة على الأرض "التي كانوا يوعدون" وعن "جنتان عن يمين وشمال" كما كانوا يدعون. أطلعني في ظرف ساعتين على كل الأشياء (نهرت البروتوكول أربع مرات، والذي جاء كل مرة، ليطلب منه التفضل لأن وقت الاستقبال قد انتهي).أطلعني أيضا على الملفات التي حملها إياها بعض ممن يعرفون أني لي معه قرابة عائلية ونضالية. وكانت الكارثة. فساد عام وجهنم على الأرض.
لم أتمالك، وهويت مغشيا علي بعد أن شعرت أن بركانا انفجر في دماغي، ولا أتذكر سوى أن عمي عمر، كان يقول هم: والله ما أنا...أنا خاطيني,, وهو يقاد بالضرب والسب خارج المكتب. يعلم الله ماذا جرى له فيما بعد.سأرى ذلك عندما أتمكن من الكلام.
وأفيق لأجد نفسي لا أستطيع الكلام، فقد تكور لساني في فمي وعجزت عن تحريكه حتى وأنا أقول لأبنائي من حولي الذين كانوا يتباكون: ممممات..تتبكييييووووش!

على شرور.. متقابلين



على شرور.. متقابلين


مع تفاقم قضايا الفساد، التي لم تعرف الجزائر لها مثلها، حتى في الفترة ما بعد الاستقلال، حيث الفوضى ونقص، وضعف هياكل الدولة الفتية، مع هذا التفاقم، زادت حدة الأحداث والأعراض الجانبية التي تأتي كل مرة لتفضح المستور وتزيل ورقة التوت على أجساد البلديات والوزارات والدواوين والولايات، والمؤسسات الخاصة والعامة على حد سواء.
وجدت نفسي هكذا، أعيش حالة من هذا القبيل، ولكن ليس في هذا البلد ولا في بلد آخر، رغم أن الفاعلين، كانوا كلهم من هذا البلد، مع وجود "متفاعلين" معهم من جنسيات عربية وغربية.
كلهم كانوا هنا، وقد خرجوا من القبور سراعا كأنهم إلى نصب يفيضون. عراة، حفاة، مبهورين بهذا العالم الجديد، لا أحد كان يهمه الآخر. كان هنا الجميع، فقراء وأغنياء ومرتشون  ومسئولو أحزاب، ونواب، وسياسيون ومجرمو الحق العام والخاص، وزراء ونافذون في السلطة، فلاحون وعاملات نظافة وعمال يوميون وجامعيون وأعوان أمن وعسكريون، نساء ورجال. الكل كان كمن في حمام، لا تميز أحدا على أحد، إلا بما فعلوا من قبل، فقد كان كل شيء باد على وجوههم: سماهم في وجوههم. الكل كان يأخذ اللون المناسب له بحسب عمله، لا نفاق ولا تستر ولا تظاهر ولا تدليس ولا إخفاء ولا ادعاء ولا تزوير. أصحاب الانتخابات والعاملون عليها والعاملون فيها وبها، ومن أجلها، كلهم كانوا هنا.
الغريب أني رأيت هؤلاء المرتشين والفاسقين والمنافقين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين والمزورين والصحفيين الخلاطين، والمخادعين والكذابين الكبار، يبحثون (حتى هنا؟؟؟) على معارف ومحسوبين ومرتشين ليشفعوا لهم من أجل الدخول إلى الجنة، بل أكثر! من أجل أن يكون من الأوائل مع السابقين الأولين، أو على الأقل ، إذا لم يكونوا مع الثلة الأولين، فمع الثلة الآخرين من أصحاب اليمين. المشكل أيضا، أنهم راحوا يقسمون ويحلفون بالله أنهم من اصحاب اليمين مع أنهم كانوا " سابقا" من أصحاب اليسار! البعض منهم كان في أقصى اليسار والبعض منهم كان شيوعيا حتى النخاع ثم شاع وصار سارقا حتى العظم. والبعض منهم لا دين ولا ملة، أصحاب الشكارة والزكارة. القرعة والنساء، والعياذ بالله. كلهم صاروا يدمرون الناس هنا بغير حق، ويقولون: وخر وخر...القيادة القيادة راها فايتة.. خلوا الطريق.. البعض كان يزمر ويقلد بفمه أصوات سيارات الشرطة والدرك والموطار، أن خلوا سبيل الوفد، لكن لا أحد كان يفسح لهم الطريق، ولا أحد كان يبالي بهم! كانوا لا يفهمون ماذا حصل أو ماذا يحصل، كانوا كمن يعتقد أنه في حلم أو في سيرك عمار، تائها، متجها صوب مكان لا يعرفه، عاريا، والعرق يتصبب من جسده كله كمن غطس في وادي الحراش. البعض كان يعبق برائحة جميلة وعليه ظلة من فوق، وفكان هؤلاء الفسدة، يجرون وراءهم ليستظلوا بظلهم، فلا يجدوا لهم ظلا إلا ظلالا مبينا، كانت الظلمة حالكة من أمامهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، فيما الكثير من الناس، كانوا يمشون والضوء يخرج من أجسادهم ينير لهم الطريق في هذا الدرب المظلم الموحش، فكانوا يسعون للالتحاق بهم ليستنيروا بنورهم ويطلبون منهم: البورطابل نتاعك فيه لا طورش؟؟ أنا نتاعي ما فيهش ، أنا أنا قاع ما جبتتهش..نسيته في البيرو..أنا عندي بصح ما بغاش يشعل. ، فيردون عليهم ساخرين وهم في كامل العافية (كانوا فقراء وبلا سكن ومحرومين من كل الحقوق، مظلومين مقهورين اجتماعيا وإداريا وسياسيا وأمنيا، ينهرون في كل المكاتب، ويطردن من كل مصلحة، ويسجنون لأبسط وأتفه التهم المفبركة ظلما وعدوانا، سرقوا منهم أراضيهم وممتلكاتهم وقتلوا أبناءهم وبناتهم بغير حق، وهجروا ذويهم وشردوا عائلاتهم ). كانوا يردون عليهم ساخرين: طاحتلكم الباتري؟ ما عندكمش الشارجور؟ هأرجعوا للدار وشرجيوا الباتريات !" كانوا لا يستطيعون العودة ولا يستطيعون التقدم، فهم كانوا يعرفون أن الطريق غير آمن والمصير مخيف. فكانوا يعملون ما في وسعهم للوصول قبل الآخرين لعلهم يفوزوا بالمقاعد الأولى في الصفوف الأولى للاستقبال الكبير. كانوا يرون كمن هو ذاهب لاحتفال ، أو إلى مؤتمر أو استقبال سياسي على شرف رئيس الدولة (واللي يمشي عند رئيس الدولة، يمشي عريان؟..هاو بعدة قاع هااك؟)، يتدامرون كالحمير ويترافسون كالبغال. لكن بكل خطوة نحو الأمام، كانوا يعودون عشرة للخلف، فلا يتقدم منهم أحد أبدا. وبعد قليل، صاروا في الأخير فيما هؤلاء البسطاء الذين كان أكثرهم يعرف صاحبه: هذا كان عامل عندهم وهذه كانت شغالة، طرد بعدما ضربت حتى قيل أنها قتلت، وأخرئى وئدت، والآخر طرد وهزي وأدخل السجن ظلما، وآخر، جاء ليشتكي فاشتكي بها فقتل إلخ..كلهم كانوا يتقدمون إلى الأمام.
كلهم كانوا هنا: وزراء أيضا ممن نهبوا البلاد والعباد، عسكر، شعب عادي، غاشي، بناؤون، "بروموتر"، "ماصوات"، نشالون، كلهم كانوا يعودون للخلف، مما يفهم أنهم كانوا من أصحاب اليسار.
لم أعرف أين كنت، فقد رأيت كل شيء أمامي دون أن أعرف إن كنت مع أولائك أو مع هؤلاء، فلقد رأيت الحركة من وضعية "زووم"، ولقطات عريضة، وكنت كمن يعرفهم جميعا. فهنا، لم تعد اللغة تشتغل . فقط الأفكار تتواصل وتتخاطر، والكل يعرف الكل، حتى من لم تكن تعرفه سابقا، يبدو لك هنا، كمن مر بسكانير نيميرك، يعطيك تفاصيل حياته مصورة بالألوان السبعين (وليس السبعة) ومكتوبة ومسموعة. ترى كل ما عمله في الدنيا كما يرى هو بنفسه أعماله كمن ينظر إلى DVX. كان الخوف في أعين هؤلاء المتخلفين من الأعراب ومن المتمدنين العروبية، الذين أفسدوا الدنيا وعاثوا فيها فسادا بحثا عن الاسترزاق والتفوق والثراء والفحش، فيما كان الأمن والأمان والنور والظلال، تقود هؤلاء البسطاء المعذبون في الأرض من العمال والعاملات المخلصات لدينهم ودنياهم، القانعين والحامدين والمستغفرين.
عندما أفقت من غفوة القيلولة، لم أجد ما قول. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، وقوموا لتفعلوا الخير يرحمكم الله.