Friday, May 10, 2013

على شرور.. متقابلين



على شرور.. متقابلين


مع تفاقم قضايا الفساد، التي لم تعرف الجزائر لها مثلها، حتى في الفترة ما بعد الاستقلال، حيث الفوضى ونقص، وضعف هياكل الدولة الفتية، مع هذا التفاقم، زادت حدة الأحداث والأعراض الجانبية التي تأتي كل مرة لتفضح المستور وتزيل ورقة التوت على أجساد البلديات والوزارات والدواوين والولايات، والمؤسسات الخاصة والعامة على حد سواء.
وجدت نفسي هكذا، أعيش حالة من هذا القبيل، ولكن ليس في هذا البلد ولا في بلد آخر، رغم أن الفاعلين، كانوا كلهم من هذا البلد، مع وجود "متفاعلين" معهم من جنسيات عربية وغربية.
كلهم كانوا هنا، وقد خرجوا من القبور سراعا كأنهم إلى نصب يفيضون. عراة، حفاة، مبهورين بهذا العالم الجديد، لا أحد كان يهمه الآخر. كان هنا الجميع، فقراء وأغنياء ومرتشون  ومسئولو أحزاب، ونواب، وسياسيون ومجرمو الحق العام والخاص، وزراء ونافذون في السلطة، فلاحون وعاملات نظافة وعمال يوميون وجامعيون وأعوان أمن وعسكريون، نساء ورجال. الكل كان كمن في حمام، لا تميز أحدا على أحد، إلا بما فعلوا من قبل، فقد كان كل شيء باد على وجوههم: سماهم في وجوههم. الكل كان يأخذ اللون المناسب له بحسب عمله، لا نفاق ولا تستر ولا تظاهر ولا تدليس ولا إخفاء ولا ادعاء ولا تزوير. أصحاب الانتخابات والعاملون عليها والعاملون فيها وبها، ومن أجلها، كلهم كانوا هنا.
الغريب أني رأيت هؤلاء المرتشين والفاسقين والمنافقين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين والمزورين والصحفيين الخلاطين، والمخادعين والكذابين الكبار، يبحثون (حتى هنا؟؟؟) على معارف ومحسوبين ومرتشين ليشفعوا لهم من أجل الدخول إلى الجنة، بل أكثر! من أجل أن يكون من الأوائل مع السابقين الأولين، أو على الأقل ، إذا لم يكونوا مع الثلة الأولين، فمع الثلة الآخرين من أصحاب اليمين. المشكل أيضا، أنهم راحوا يقسمون ويحلفون بالله أنهم من اصحاب اليمين مع أنهم كانوا " سابقا" من أصحاب اليسار! البعض منهم كان في أقصى اليسار والبعض منهم كان شيوعيا حتى النخاع ثم شاع وصار سارقا حتى العظم. والبعض منهم لا دين ولا ملة، أصحاب الشكارة والزكارة. القرعة والنساء، والعياذ بالله. كلهم صاروا يدمرون الناس هنا بغير حق، ويقولون: وخر وخر...القيادة القيادة راها فايتة.. خلوا الطريق.. البعض كان يزمر ويقلد بفمه أصوات سيارات الشرطة والدرك والموطار، أن خلوا سبيل الوفد، لكن لا أحد كان يفسح لهم الطريق، ولا أحد كان يبالي بهم! كانوا لا يفهمون ماذا حصل أو ماذا يحصل، كانوا كمن يعتقد أنه في حلم أو في سيرك عمار، تائها، متجها صوب مكان لا يعرفه، عاريا، والعرق يتصبب من جسده كله كمن غطس في وادي الحراش. البعض كان يعبق برائحة جميلة وعليه ظلة من فوق، وفكان هؤلاء الفسدة، يجرون وراءهم ليستظلوا بظلهم، فلا يجدوا لهم ظلا إلا ظلالا مبينا، كانت الظلمة حالكة من أمامهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، فيما الكثير من الناس، كانوا يمشون والضوء يخرج من أجسادهم ينير لهم الطريق في هذا الدرب المظلم الموحش، فكانوا يسعون للالتحاق بهم ليستنيروا بنورهم ويطلبون منهم: البورطابل نتاعك فيه لا طورش؟؟ أنا نتاعي ما فيهش ، أنا أنا قاع ما جبتتهش..نسيته في البيرو..أنا عندي بصح ما بغاش يشعل. ، فيردون عليهم ساخرين وهم في كامل العافية (كانوا فقراء وبلا سكن ومحرومين من كل الحقوق، مظلومين مقهورين اجتماعيا وإداريا وسياسيا وأمنيا، ينهرون في كل المكاتب، ويطردن من كل مصلحة، ويسجنون لأبسط وأتفه التهم المفبركة ظلما وعدوانا، سرقوا منهم أراضيهم وممتلكاتهم وقتلوا أبناءهم وبناتهم بغير حق، وهجروا ذويهم وشردوا عائلاتهم ). كانوا يردون عليهم ساخرين: طاحتلكم الباتري؟ ما عندكمش الشارجور؟ هأرجعوا للدار وشرجيوا الباتريات !" كانوا لا يستطيعون العودة ولا يستطيعون التقدم، فهم كانوا يعرفون أن الطريق غير آمن والمصير مخيف. فكانوا يعملون ما في وسعهم للوصول قبل الآخرين لعلهم يفوزوا بالمقاعد الأولى في الصفوف الأولى للاستقبال الكبير. كانوا يرون كمن هو ذاهب لاحتفال ، أو إلى مؤتمر أو استقبال سياسي على شرف رئيس الدولة (واللي يمشي عند رئيس الدولة، يمشي عريان؟..هاو بعدة قاع هااك؟)، يتدامرون كالحمير ويترافسون كالبغال. لكن بكل خطوة نحو الأمام، كانوا يعودون عشرة للخلف، فلا يتقدم منهم أحد أبدا. وبعد قليل، صاروا في الأخير فيما هؤلاء البسطاء الذين كان أكثرهم يعرف صاحبه: هذا كان عامل عندهم وهذه كانت شغالة، طرد بعدما ضربت حتى قيل أنها قتلت، وأخرئى وئدت، والآخر طرد وهزي وأدخل السجن ظلما، وآخر، جاء ليشتكي فاشتكي بها فقتل إلخ..كلهم كانوا يتقدمون إلى الأمام.
كلهم كانوا هنا: وزراء أيضا ممن نهبوا البلاد والعباد، عسكر، شعب عادي، غاشي، بناؤون، "بروموتر"، "ماصوات"، نشالون، كلهم كانوا يعودون للخلف، مما يفهم أنهم كانوا من أصحاب اليسار.
لم أعرف أين كنت، فقد رأيت كل شيء أمامي دون أن أعرف إن كنت مع أولائك أو مع هؤلاء، فلقد رأيت الحركة من وضعية "زووم"، ولقطات عريضة، وكنت كمن يعرفهم جميعا. فهنا، لم تعد اللغة تشتغل . فقط الأفكار تتواصل وتتخاطر، والكل يعرف الكل، حتى من لم تكن تعرفه سابقا، يبدو لك هنا، كمن مر بسكانير نيميرك، يعطيك تفاصيل حياته مصورة بالألوان السبعين (وليس السبعة) ومكتوبة ومسموعة. ترى كل ما عمله في الدنيا كما يرى هو بنفسه أعماله كمن ينظر إلى DVX. كان الخوف في أعين هؤلاء المتخلفين من الأعراب ومن المتمدنين العروبية، الذين أفسدوا الدنيا وعاثوا فيها فسادا بحثا عن الاسترزاق والتفوق والثراء والفحش، فيما كان الأمن والأمان والنور والظلال، تقود هؤلاء البسطاء المعذبون في الأرض من العمال والعاملات المخلصات لدينهم ودنياهم، القانعين والحامدين والمستغفرين.
عندما أفقت من غفوة القيلولة، لم أجد ما قول. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، وقوموا لتفعلوا الخير يرحمكم الله.  

0 Comments:

Post a Comment

<< Home