Friday, May 10, 2013

"كرنشال في دفلة"!




"كرنشال في دفلة"!

من العيب والعار، أن يسكت السياسيون والأحزاب دهرا لينطقوا كفرا وليخرجوا من السر إلى العلن، بمجرد أن يأتيهم نبأ بأن الرئيس على شفا حفرة من المرض، ليشرعوا في قرع طبول الترشح وخلافة الخليفة باعتباره "الرجل المريض" الذي على العقبان أن تتسارع لنهش الجثث وهي حية قبل أن ترحل. لا أتحدث هنا عن المخلصين الذين يهمهم بالفعل مصالح البلاد والعباد ومصير الجزائر في هذه الأوقات الحرجة والعصية، بل أعني أولائك الذين سكتوا لينطقوا، دون أن يكونوا قد قدموا شيئا لا في السابق ولا في اللاحق لهذا البلد، أو أولائك الذين "تمرغوا" في دواليب الحكم لسنوات دون أن يحققوا شيئا لوطنهم بقدر ما حققوه لبطونهم. فليس من العيب أن نفكر فيما بعد العهدة الرابع، بل هو واجب حتى ما بعد ذلك، وعلى العكس تماما، فإنه من العيب ألا نفكر في ما بعد العهدة الرابعة والخامسة والعاشرة، ذلك لأننا تعودنا في هذا البلد الذي لم يخرج من دائرة "الانتقالية" منذ 50 سنة!!، لا نفكر بذهنية رجال الجدولة ولا حتى بفكر "دولة الرجال:"، بل نفكر بعقلية "الحكومات" والماندات". سواء تعلق الأمر بالحكومة، بوزرائها ومدرائها ونوابها ورئيسها، أو تعلق الأمر حتى بولاتها وأميارها. إننا نفكر بعقلية ماذا أفعل خلال عهدتي (الأولى والثانية أو الثالثة)، وماذا أكون عليه بعد هذه المدة، وليس ماذا يكون عليه البلد أو الولاية أو الدولة بعد هذه المدة . إننا لا نفكر ماذا يجب على البلاد أن تكون عليه بعد 50 أو 80 أو حتى 30 أوعشرين سنة، لا نفكر إلا في اليوم والغد القريب جدا. وهذا ما جعلنا لا نتطور إلا لنتأخر: خطوة إلا الأمام، خطوتان إلى الوراء في أحسن تقدير، أي أننا إذا لم نتأخر ، فلم نتقدم. وما حصل عندنا من تأخر خلال العشرين سنة الماضية، يتطلب منا ليس فقط خطوة إلى الأمام، بل خطوتان إلى الأمام دون أية خطوة إلى الخلف..على الأقل.
الخروج الحذر لكثير من الأسماء المتململة في الأحزاب لتبحث عن ضوء جديد في عز ظلمة السنوات الأخيرة، يوحي بأشياء كثيرة: إما أن الحروب السياسية القادمة ستكون بلا أخلاق من جديد، وإما أن تتحسن ألأوضاع بانفتاح أكبر في مجال الحريات السياسية. كل هذا يعود إلى طبيعة تعاملنا مع المرحلة التي تفصل بيننا وبين الرئاسيات المقبلة.
صحيح أن الرئيس قد أغلق اللعب السياسي خلال العهدات الأخيرة، بحيث أن الكل قد فهم أنه لا يمكن منافسة رئيس باق في السلطة ومرشح جديد لعهدة جديدة. فالرؤساء المرشحون في العالم العربي، يفوزون دوما. غير ممكن أن يخسر الانتخابات رئيس مرشح! والسبب، هو أنه زيادة على احتمال التزوير، وتدخل الإدارة ومؤسسات الحكم والدولة في ذلك، فإن استعمال الرئيس للأملاك الدولة والشهرة والتلفزيون وتجند الإدارة بكل أصنافها في هذا الاتجاه، يجعل من المرشحين الآخرين أقزاما وأرانب لتنميق اللعب وصناعة الفرجة فقط. صحيح أن الانتخابات منذ توقيف المسار الانتخابي، لم تعد إلى سابق عهدها، بل وصارت عنوانا جديدا للبؤس السياسي والعزوف الشعبي عنها، صار هو السمة البارزة لهذه الانتخابات الشعبية بلا شعب منتخب! فأصبحت بذلك، مدرسة للتهريج والسخرية ومسرحا فكاهيا أمام الناس وبهم. غير أن هذا لا يعني أن نهيئ أنفسنا للعب وقلب المعطف أحيانا بمجرد أن نشعر بأن الرئيس على فراش المرض أو قد يعجز على أن يترشح ،أو ليس في نيته أصلا الترشح(وهذا تقديري الخاص، أنه لن يترشح حتى ولو لم يمرض، فهو يعرف أن عهدة رابعة قد تطيح من قيمته أكثر ما تعطيها له، وأن يخرج من الباب الكبير، خير من ألا يخرج على الإطلاق، لا من الباب الكبير ولا من النافذة).
من العيب أن نرى أسماء،التي  أبدت رغبتها في الترشح، بدت فرحة بكون الرئيس سيفسح المجال أمام الجميع بعدم الترشح بسبب مرضه وعجزه المفترض، كل هذا وهم يعلمون أن ترشحهم لا يعني بالضرورة فوزهم، فهو يعرفون سلفا ذلك، لكن ما يهمهم أكثر ليس الفوز بالأساس (ولو أنهم يحلمون بهم في المنام دون أن يتحقق لهم ذلك حتى في سابع نومة)، لكن لمجرد الترشح للرئاسيات، فهم يتمنون أن يختفي الرجل، ليقال عنهم "مرشحين لرئاسة الجزائر" والبعض منهم لا يستطيع أن يترشح حتى في كأس من الماء، لأن الإناء بما فيه يرشح، ويخشى أن تبدو مثالبهم أمام الجميع. لكن هذا لا يهم بالنسبة لهم، فقد بلغمنا مرحلة من الوقاحة السياسة أن صرنا لا نستحي ونفعل ما نشاء. العبرة عندهم بالخواتم، المهم أن يكون هو "سيد الخواتم"، أو يقال عنه "سيدي..فلان." (وزيرا كان أو واليا أو رئيسا.. أو حتى رئيس بليدة.. المهم رئيس,, والسلام). هذه الفئة كثيرا ما عرفناها بعد الانفتاح السياسية وتكون الحزيبات المجهرية، التي كبرت اليوم وصارت "فيرس" إيبولا، (في الظل، بعد غابت كأسماء وكأحزاب عن الساحة منذ عشرين سنة)، تعود لتبدو أنها راغبة في الترشح للرئاسيات المقبلة. شيء لا يمكن فهمه (ولو أننا فهمناه) أو تفسيره (ولو أننا فسرناه) أو تصديقه، (ولو أننا لم نصدقه)، ولا يمكن تمثيله إلا بما مثله عثمان عريوات في كرنفال في دشرة، لأن ما يحدث عندنا اليوم، هو ألعن من كرنفال في دشرة، لأن ما يحدث اليوم عندنا هو "كرنشال في دفلة"!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home