Friday, August 24, 2018

خرفان موالين وأرانب "موالاة"


خرفان موالين وأرانب "موالاة"

 قبل العيد، كان علي أن أزور محشر للكباش لشراء الأضحية، غير أني وجدت نفسي في مهرجان بحضور و"مكارشة" سياسية من موالين و"موالاة" وأرانب وخرفان. لم أعي أني قد شربت لترين من اللبن الحامض على الجوع، إذ أن "الصيف ضيع مني اللبن". لم أفهم هذا الحضور في زريبة معدة للعيد بجوار الباطوار. فهمت بعدها أن الأمر يتعلق بمزرعة وضبت على "عجل" (وبقرة)، للمضاربة الدينية والسياسية.
وجدت صعوبة في اقتناء الأضحية بسبب الأسعار التي انهارت قبل العيد بأيام قليلة بعد أن رفعها الوسطاء إلى السقف، غير أني في الأخير لجأت إلى آخر خروف على مقربة من باب الزريبة الجهوية..قلت: هذا مليح: من الزريبة للدريبة. مهما كان سعره، لا أريد أن أطيل المكوث في سوق المضاربة بالسكوت..
صاحب الخروف، قال لي أنه موّال ومعروف، يسكن بجوار المطبعة الجهوية للصحف. قلت له: في تصوري، المنطقة صناعية، فما علاقتها بالموالين؟ هل عندك هضاب عليا بجوار المطبعة؟ قال لي: عندي أدوار عليا. أنا أربي المواشي فقط شهر قبل العيد.. أعطيهم الشعير و"نقرسهم" مليح بالجرائد الوطنية..يموتوا على الكواغط.. ونداويهم بالإبر والسيروم..قلت له: علاه أنت فرملي وإلا طبيب؟ قال لي: أنا ولد عباس..ما عرفتنيش؟ قلت له: سامحني والله ما عرفتك..رغم أنهم يقولون وجه الخروف معععععروف..ههها..نديه عليك باش وما كان.. تستاهل..حتى أنا أفلان في اللحم والدم والشحم..قال لي: هذا الخروف يحسن لغة البشر إذا خاطبته بلغة الخشب. مثقف، وقاري..ومعرب. نشري لهم بالقنطار المرتجعات من الصحف..
فرحت بالخرف الذي دفعت فيه ثمن خروفين مثل "البهيم"..لأني لا أفقه في الموالاة.. ولا في الموالين..ولا في المال أصلا..شمتني..وأخفيت ا"لشمتة" ورحت للبيت وأنا فرح مسرور.. ورأسي مضرور وأنفي يخور مثل الثور..
ما إن وصلت حتى قال لي الخروف بلغة الخشب: أنا لا أنزل..لم آت من أجل الذبح..أنا مناضل..ومع العهدة الخامسة..أنا جئت إلى هنا..لأرى إن كان بإمكانك أن تترشح كأرنب مع بن حمو و"لاكليك". قلت له: ماذا تقول؟ أصحيح أنك تتكلم لغتنا؟ يا فرحتي؟؟ سأتباهى بك وأناطح بك كباش الأمم والجيران رغم أنك فرطاس وصغير السن والراس.. تناطحهم بالأفكار واللسان. أنا أيضا مناضل ومع كل العهدات، حتى السادسة لأني لم أجد في السوق لا ضمن الموالين ولا ضمن "الموالاة" من يستاهل أن يكون قائدا لهذه الحظيرة في هذه الأوقات الخطيرة. قال لي: أحسنت..لكن هل تترشح كأرنب؟ قلت له:..إذا بغيتو حتى كسلحفاة ما عليهش.. لكن في الحقيقة أنا أريد أن أساندكم خارج السباق. قال لي: تساندنا بترشحك وليس في الحملة. نحن لسنا بحاجة إلى حملة، مرشح الإجماع قادر على شقاه..ولا يحتاج إلى إشهار.. إنه أشهر من نار على علم..لولاه لكان الإرهاب قد ذبحكم واحدا واحدا..ولولاه لكنتم لا زلتم تركبون "الكيران نتاع صوناكوم وتجوبون الشرق إلى الغرب عبر طريق ولائي محفّر وفي سيمانة..ولولاه لما كنتم اليوم تسافرون برّة..بعد أن كنتم مثل المرضى بالطاعون تحوم حولكم شبهة الإرهاب والمرض المعدي. قلت له: كل ما تقوله صحيح مجرب..لكن دعني أفكر في مسألة "تاقناينت" هذه.. أريد أن أكون "قنينة"، سلحفاة، حلزون، حيوان زائف.. آه... زاحف، ثعبان، فقط أمهلوني بعض الوقت..
قال لي: أعطيك الوقت إلى ما قبل العيد بيوم..إما أن "تتأرنب" وإما أن نضحي بك في يوم العيد.. أو في عاشوراء.. قلت له: أيها الخروف الشهم..سأترشح حتى لا أذبح...
وأفيق وأنا أنطح.. وأنبح..
أوت 2018

مهادرة وتطبيق



مهادرة وتطبيق

لم أجد طريقة لكي أقدم بها درسا في "العلوم السياسية"، لابنتي التي تتابع الدراسة في السنة 3 ليسانس سياسية ولا تعرف في السياسة "كوعو من بوعو"، سوى كبش العيد لكي أقدم لها شروحا تطبيقية في غياب الدروس التطبيقية. أول ما بدأت أشرح لها هو "مفهوم الدولة". قلت لها: الدولة هي هذا الكبش كما تراه: البوزلوف هو نظام الحكم أو السلطة. القرون هي وسائل الدفاع والأمن. القوائم الأولى هي القوائم الانتخابية والمؤخرة هي المجالس المنتخبة. القوائم الخلفية هي وسائل النقل، ألم ترى كيف أننا نقلنا الكبش من خلال حمله من أرجله الخلفية مثل البرويطة؟ أما الهيدورة فهي الأحزاب والتنظيمات النقابية والجمعيات التي تحمي جسم الدولة وتقوم بتسخينه أثناء البرد. قالت لي: وأين هو الشعب؟ قلت لها: مازال ما وصلناش لهذه "المهادرة"، رانا عاد في الدرس التطبيقي الذي هو مقدمة "للمهادرة". قالت لي: التطبيق يأتي بعد المحاضرة..قلت له: نحن عندنا الأمر بالمقلوب، راهم يقريوكم بالعوجي..نبدأ بالتطبيق ثم نأتي لنفهم المحاضرة. المهادرة ستكون بعد ساعة من الذبح.
بعد ساعة، حضرت ومعها دفتر وورقة. قلت لها: لا داعي للدفتر ولا الورقة رايحة تفهمي بلا تسجيل. شوفي الدوراة: من هنا يدخل الأكل.. القرجومة.. اللي تجي بجوار "الرانكس فرنكس" نتاع الريّة اللي راها لهيه معلقة. الرئتان هما وسائل الإعلام والمتنفس للدولة وللمجتمع..إذا أصيب الكبش بالربو، طفرت في الدولة. الماكلة تمر من القرجومة ثم تذهب إلى ليسطوما..هنا الشعب..هذا هو مكانه: ياكل ويشرب ويتنفس ويدفع الماكلة والعلف باتجاه الأمعاء الدقيقية ثم الغليضة.. الأمعاء الدقيقة هي المسار المدرسي. 12 متر من الطول: الابتدائي، المتوسط، الثانوي الليسي، الجامعة.. حتى يتخرج منه التلميذ في شكل غبار وأسمدة..هذه نسميها "وسائل التغبير"، أي تلامذتنا بعد مسار طويل في مصران طويل، يخرجون إلى الشارع بدون مستوى. نأتي الآن إلى القلب: القلب كما ترى مدفون في القفص الرئوي: هذه النخب العلمية التقنية: أطباء مهندسون، كوادر هم الذين يضخون الدم في العروق، لكنه المخ هو من يفكر ويخطط: رجال العلم والمفكرون. تعالي الآن نشاهد مكونات البوزلوف.
أول ما ننزع من البوزلوف بعد التشويط هم القرنان.. يتحول بعدها الكبش إلى فرطاس. لا يقوى على الدفاع حتى ولو كان حيا. عادة ما نجد دودة تسكن في تجويف القرنين بعد إزالة القرنين، وهو ما يجعل الكبش عنيفا ويناطح أيا كان بشرا أم كبشا آخر هكذا تقوم الحروب ضد الشعوب. هذا اللسان، هي وسائل الإعلام والبروباغاندا الرسمية: هذه "وسائل التبعرير"..طبعا الأنف والأذنان لشم وسماع الأخبار والديبلوماسية والاستخبارات، والأضراس والأسنان لطحن المعارضة وبلعها. اللحم والشحم هم رجال الاقتصاد والشركات الكبرى والبنوك. نأتي إلى المخ الآن. نكسر الجمجمة على اثنين سنجد هناك مكان إنتاج الفكر والمعرفة والتخطيط والتنوير والذكاء والإستراتيجية. من المفروض أن يكون المخ كبيرا بحجم البوزلوف.
أخذت منشارا كهربائيا حتى لا يفسد التقطيع وقطعت الرأس من الأنف إلى مؤخرة الجمجمة فظهر نصفا المخ. قال لي: لكن المخ صغير جدا..قلت لها: نعم صغير جدا قياسا بالجمجمة.. ألم تسمع بمقولة: جثث البغال وأحلام العصافير؟. كذلك الدولة في نظمنا الكبشية: الأمخاخ تهرب وتترك في المخ فقط البصلة السيسائية التي تؤمن الحركة فقط دون فكر ولا عقل ولا حكامة.
قالت لي: خلاص أبي فهمت. قلت لها إذن: عفطي أغسلي الدوارة..
أوت 2018