Saturday, July 14, 2018

رغم الداء والأعداء..


رغم الداء والأعداء..

56 سنة تمر على الاستقلال، وقد فارق كثير من صناع الصورة وجيلها الحياة، فيما نحن في نهاية الجيل الثاني من الثورة الذي سينتهي مع 2030. جيلان في جيل واحد هو من قاد الثورة وما بعد الثورة وإلى اليوم وسيبقى فيما يبدو إلى غاية نهاية الأربعين سنة الثانية لجيل الخمسينات، على اعتبار أن جيل الثورة بدأ عمليا سنة 1950: سنة بدابة التحضير للثورة من طرف شباب أكبرهم سنا كان لا يتعدى 25 سنة. هذا الجيل هو الذي سيحرر البلد من جرثومة الاستعمار وهو من سينفرد بتسيير البلاد بعد الاستقلال: صراعات بين الإخوة الفرقاء، الذين جمعهم الوطن وفرقتهم الأيديولوجيا والمصالح.
ما الذي تغير في جزائر 62؟ الكثير والكثير جدا. على المستوى الديمغرافي، لم نكن نتجاوز 10 ملايين نسمة، واليوم نحن في حدود 40 مليون، أي أن العدد تضاعف 4 مرات. قس هذا على مستويات عدة: عدد التلاميذ، الطلبة، المعلمين، الاطباء، الهياكل، المؤسسات الاقتصادية المنتجة والخدماتية، الجيش، الشرطة، الفرق الرياضية، الكتاب، الدخل القومي الفردي، العمل...إلخ. تضاعف العدد أحيانا أكثر من 200 بالمائة مع ذلك، لا نشعر بأن الاستقلال حقق للجيل الأول لفترة ما بعد الثورة، الكثير، نقصد جيل المولودين منذ بداية التسعينات )على أساس أن الجيل الأول للثورة انتهى عمليا في 1990)، ناهيك عن دفعات أخرى من الجيل الأول، من مواليد 2000، الذين صارت أعمارهم اليوم 18 سنة. هؤلاء، وأولئك الذين ولدوا بعد ذلك ويولدون اليوم وغدا، سيكون رأيهم أكثر تشاؤما منا نحن المخضرمين أو ممن عاشوا مرحلة الستينات وحتى السبعينات. الجيل الجديد اليوم لا يؤمن إلا بالأشياء العملية، لا يقارن بين الأمس واليوم، لأنه لم يعرف فترة الاستعمار وحتى الفترة الأولى من الاستقلال: كيف كنا نعيش، ماذا كنا نأكل، كيف كنا ندرس، أين كنا نتعلم أين نطلب الصحة والنقل والعمل وكيف كنا نفكر وماذا كنا نمارس ونلعب؟ لا مقارنة اليوم بالماضي عند جيل التسعينات والألفية الثانية وأكثر من ذلك، جيل ما بعد نهاية الجيل الثاني للثورة. لهذا نشعر بهذا الضجر وهذا الاحتقان في صفوف الشباب خاصة ممن لم يقارنوا بين جيلين أو أكثر، ممن لم يعرفوا التشرد وظلم الاستعمار. لهذا، لا نشعر فيهم تلك "الروح الوطنية الوهاجة" التي عرفناها في أنفسنا وفي أمثالنا ومن قبلنا أكثر. ليس لأنهم غير وطنيين، بل على العكس، لأنهم وطنيون أكثر مما نتصور، إنما هم يحبون وطنهم أن يكون أكبر وأحسن من كل الأوطان. لاحظوا موقف وسلوك الشباب الذي يمثل 70 في المائة من السكان، في الاستحقاقات الدولية في كرة القدم، كيف يتحول هذا الشاب دون 18 سنة، إلى أكبر وطني، حماسة وفوضى، وصياح وصراخ وبكاء وسب وشتم، وتظاهرا وتفاعلا وغضبا عن الخسارة أو عدم التأهل.
كرة القدم عندنا هي مقياس الوطنية عند الشباب وعند من يخوّنون الشباب ويكبرون فيهم روح الوطنية إذا لم يحتفلوا بعيد 5 جويلية ولم يرفعوا العلم ولم يرددوا النشيد الوطني. هذه الطقوس بالنسبة لهم هي طقوس رسمية لا علاقة لهم بها، لأن البلد والدولة عندهم صار هناك  شعور يسكنهم بأن البلد ليس ملكا لهم وأنها حكرا على محتكري سلطة السياسة والمال، دون غيرهم. لكن مع ذلك يشعرون أن الجزائر المستقلة..كلها لهم. والدليل على ذلك شعار يردد كرويا، لا يردده أحد غيرهم: ميزيرية وتحيا الجزائر.
5 جويلية 2018