Saturday, December 12, 2015

رفقاء الأمس.زفرقاء اليوم!
















رفقاء الأمس.. فرقاء اليوم!

التراشق الإعلامي ضمن "العائلة" الثورية الذي تزامن مع كل مناسبة وطنية منذ أشهر، والذي كان آخرها ـ وليس نهايتها ـ التلاسن الحاد بمناسبة مرور 61 سنة على اندلاع ثورة التحرير الوطنية، بين الجنرال المتقاعد، وزير الدفاع الأسبق، خالد نزار، وبين المجاهد  العقيد عمار بن عودة، أحد جماعة 22 الثورية وصاحب أول تشريف رئاسي أيام الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بوسام الاستحقاق من مصاف الأول وسام الأثير. هذا إضافة إلى حوارات مع مجاهدي الرعيل الأول الذين فضلوا السكوت قبل اليوم، وصدور عدة مذكرات لمجاهدين سابقين. العقيد بن عودة، الذي أكد أنه لم يكتب مذكراته لأنه ليس مؤرخا ولا يريد أن يسطو على التاريخ، اغتنم الفرصة هذه المرة ليقلب المجن على الجنرال خالد نزار الذي اتهمه بأنه لم يكتف فقط برفض تصحيح تاريخي في مذكراته، بل ضربه بحذائه العسكري عدة مرات في رجله حتى أدمت وهو يردد له عبارة "تتحداني" أكثر من مرة. ولولا تدخل الجنرال عطايلية لردعه لكان وصل به الأمر ربما لشيء آخر في حق واحد من 22 من مفجري الثورة! هذا بحسب تصريح العقيد بن عودة للشروق اليومي.
تزامنت مناسبة الفاتح نوفمبر هذه السنة أيضا، بإعادة فتح ملف "ضباط فرنسا" الذين التحقوا بجيش التحرير مع بداية المفاوضات. هؤلاء الذين قال عنهم بن عودة وآخرون أيضا أنهم التحقوا بالجيش إما لأنهم تأكدوا أن مدة بقاء فرنسا في الجزائر لم يعد طويلا، وإما أن يكونوا قد سرحوا ضمنيا من أجل خدمة المصالح الفرنسية في الجهة الأخرى بعد الاستقلال على رأي ديغول، الذي ذكره العقيد بن عودة لما سئل عن هؤلاء الضباط الجزائريين الفارين من الجيش الفرنسي والملتحقين بجيش التحرير، حيث أجاب ديغول قائلا: "إننا نحتاجهم هناك أكثر مما نحتاجهم هنا"!. هذا الموضوع الذي أسال الحبر والدم واللغط واللعاب منذ السنوات الأولى لاستقلال عندما قرر الراحل هواري بومدين أن يستفيد من خدمة هؤلاء من أجل عصرنة الجيش الوطني الشعبي. هذا القرار لم يرق العديد من الضباط والمجاهدين الأوائل الذين رأوا في هؤلاء الوافدين الجدد في آخر ربع ساعة، يتحكمون في الإدارة وفي المناصب الحساسة، فطالبوا بتطهير الجيش. من هؤلاء الرائد شعباني الذي قتل لهذا السبب وحاول الطاهر الزبيري أن يدبر انقلاب 1965، لهذا السبب وأسباب أخرى بالتأكيد، خاصة وأن بومدين كان قد قال: "من أسمعه يتحدث مرة أخرى عن ضباط فرنسا، أضع له حجرا في فمه". كما يروى أنه قال عن مطالبة الطاهر الزبيري بذلك: شكون هو هذا الطاهر بن الطاهر اللي باغي يطهر الجيش"!كل هذه الأمور طفت وتطفو على سطح البركة الراكدة منذ الاستقلال، إيذانا بجيل الثورة الأول الذي بدأ ينقرض واحدا واحدا مع بداية الصباح. هذا الأمر دفع إلى البوح بما سكتت عنه شهرزاد من كلام غير مباح!
نمت على ضجيج التصريحات والتصريحات المضادة والرد والردود المضادة (للطائرات) من هذه الحرب التحريرية الإعلامية بين رفقاء الأمس فرقاء اليوم! لأجد نفسي أكتب مذكراتي أنا الذي تحصلت على شهادة مجاهد (كان بإمكاني بالمال أن أحصل لو أردت حتى على شهادة "شهيد"! وأنا حي!) بعد أن دفعت المال لشهود زور كانوا هم الآخرون قد زوروا ملفاتهم! بدأت كتابة مذكراتي منذ سنة وأنهيتها قبل 1 نوفمبر الأخير! كتبتها بالدارجة حتى يفهمها الجميع! فأنا من مدرسة بن غبريط التاريخية! عمل أبي مع فرنسا في الإدارة والمجالس البلدية كمزور محترف للانتخابات وكممثل شرعي لسكان بلديته الذي صعد معظمهم للجبال ولم يبق إلا النساء والأطفال. كل الرجل ماتوا ولم يعد بعد خمس سنوات أحد يعرفني ويعرف تاريخ أبي. بعد الاستقلال انتقلت إلى الشرق وهناك جددت هويتي وتاريخي واستعدت عذريتي التاريخية النضالية وصرت مجاهدا وضابطا أيضا لعدة سنوات قبل أن يخرجوني في تقاعد بسبب ملاسناتي مع بعض الضباط المجاهدين الذين شككوا في انتمائي النضالي!
من أهم ما ورد في مذكراتي أني التحقت بالثورة المسلحة المباركة مباشرة بعد أن خرجت من بطن أمي!: نعم! بكري كنا كبار ونعرفوا! ولدت من هنا، رفدت "الماترايوز" من هنا، وطلعت للجبل والحبر السري لاحقني والذيوبة يجريوا ورائي ويتبعوا في "ليطراص" نتاع الحبل السري والدم! قتلت زوج ذيوبة وأنا بز! بصح البزوز نتاع ذاك الوقت كانوا رجال! الولد يزاد بشلاغمه! كما الأرندي اليوم! في الجيش، كنت أصغر جندي في كتيبة استشهد كل من كان فيها وبقيت وحيدا! خضت النضال لوحدي مدة 5 سنوات. قتلت من فرنسا الآلاف وأنا بز في عمري خمس سنين! لم أدخل لا مدرسة سانسير ولا مدرسة سيدي مستير! ثم اضطروا أن يتفاوضوا معي وأذعنوا لمطالبي: قلت لهم: تخرج فرنسا من الجزائر، وتتركنا وشأننا نتقاتلوا وإلا نتباوسوا واش دخلها فينا!؟. وإلا سأبقى أحاربكم حتى أخر قطرة من الشعب الجزائري العظيم! خافت فرنسا بنت الكلب، وخاف ديغول، وجاء إلى الجزائر واستقبلني بنفسه في سرية تامة وقرر أن يمنح الاستقلال للجزائر بالسيف على يماه! أنا اللي أرغمته على وقف إطلاق النار واتفاقيات أيفيان! جاهدت في سبيل الله. لم يعرفني أحد ولم أعرف أحدا، لكن أنا من أخرجت فرنسا مرغما عنها وعمري 7 سنوات!
بعد الاستقلال، دخلت المدرسة لمدة عامين! ورحت أتعلم الحروف الأولى بالعربية والفرنسية، ولما وجدوني لا أعرف شيئا ولا أفهم حرفا، أنقلوني إلى الثانوية مباشرة وبقيت فيها عاما واحدا. ثم فوتت الباك وخسرته بامتياز! ودخلت الجامعة الصيفية وربحت الباك بالسيف! دخلت الجامعة وبقيت مجمعا فيها 10 سنوات! غير مجمع في كرسي ونشوف وما فاهم فيها كوعو من بوعو! لم أربح الليسانس، فقررت نبيع المازوت عوض الليسانس! درت طراباندو، ثم قررت أن أدخل العسكر عندما "بغلت" 19 سنة! هناك صرت مجاهدا بأوراقي الثبوتية وضابطا يحمل تجربة كبيرة في القتال! قلت الكثير سرا وعلانية متذرعا بمختلف التهم! ولا حقت كل من شكك في نضالي وفي هوتي وتاريخ ميلادي وتساءل كيف يعقل أن يكون هذا الضابط مجاهدا وهو ابن 20 وعمر الاستقلال الآن 30! قلت لهم: ولدت بأثر رجعي أيها الرجعيون! أنا درت الثورة وأنا بز! ما تفهموش! ورحت أكيد المكائد واصطاد وأدبر مقتل كل من يشكك في تاريخي وأسكت بالقوة كل من ينظر إلي نظرة ريبة أو تحفظ!..
وهذا ما ختمت به مذكراتي بعد أن عرفت أني سألقى الله عما قريب مخلصا لفرنسا:" اتقوا فرنسا وتوبوا أليها تخرجكم من الظلمات إلى النور".
وأفيق وقد أشعلت زوجتي المصباح في وجهي والوقت فجرا: ما تصليش؟ وأنا أرد: علاه وين رانا؟ وين راها القبلة نتاع فرنسا... واش من جهة جات باري؟!
سبتمبر 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home