Saturday, December 12, 2015

ما نعده للاعتداء على المعدة




ما نعده للاعتداء على المعدة

ما كاد العيد يقترب، حتى بدأت بتجهيز نفسي لمقاتلة البطن نهارا!
ولما أني آكول! آكل فلا أشبع وأشبع فآكل، فقد مر علي رمضان كعام مما تعدون! الليل لا يكفيني للأكل ولا يفي بالغرض! خاصة في شهر، وقت الإمساك فيه أطول من وقت الإفطار، فنحن لا نفطر إلا خلال 13 ساعة، بينما نصوم طيلة 17 ساعة أحيانا!
العيد إذن بالنسبة لي، مناسبة للخروج من الحصار! هكذا بدا لي الأمر وأنا في الأيام الأخيرة من رمضان!
غير أن الأمر لم يسر على النحو الذي أردت، فلقد أصبت بوعكة صحية (كارثة صحية يعني!) أرغمتني على إجراء عملية جراحية مستعجلة على المعدة بسبب إفراط في الأكل عوض التفريط فيه! فرمضان أصلا هو شهر الصوم لا شهر الأكل والهلاك بالاستهلاك! أما "أخوكم"، فلم يفهم الأمر ويعرف قيمة رمضان والصوم، إلا بعد أن حلت الكارثة في بطنه!
أخذوني على جناح الاستعجالات في المستشفى. ولما قول "الاستعجالات" عندنا، فهذا يعني 5 ساعات من الانتظار، و11 متدخلا من المعارف والمعارف النكرة والتحشام والتدلاق والنفاق مع قلة الإشفاق وكثرة الممرات والأنفاق!
حتى وصلت إلى مرحلة الخطورة والموت بسبب النزيف الذي أحدثه الانتظار والجر والتكرار في كولوار الاستعجالات، على كرسي بلا عجلات! كان بالإمكان تفادي العملية لو وجدت من يدخلني على عجل للاستعجالات، ولكنه، ولأنه في بلدنا، حيث كل فيها العجلة والتقلاق ووضع العصي في العجلات ـ فإني أرغمت على إجراء عملية جراحية "مستعجلة"! بلا استعجال! نصحوني ـ بل نصحوا عائلتي ـ أن نحضر نحن بأنفسنا الإبر والخيط و"سم الخياط"، والدواء والفراش والفاصما والماء والجافيل..وأكثر من ذلك، جزءا من دوارة بقرة أو ثور لكي يرقعون بها كرشي التي سيعمل فيها المقص عمله بوفرة! قلت لهم وهم يدخلونني إلى عيادة الذبح: رجاء أتركوا لي معدتي كاملة، لا تنقصوا منها شبرا! قالوا لي: ولهذا نحن طلبنا منكم دوارة طرية لعجل! ستبرأ وتولي كالبغل تأكل التبن وما تخافش!
بعد ثلاثة ساعات من التفصال والتخياط والترقاع، خرجت مغمى علي وفي كرشي "التبن"! لقد قطعوا أكثر من النصف من معدتي وأعادوا خياطتها مع جزء صغير من معدة عجل! ولما نقول جزء صغيرا من كرش عجل، نقول أنها أكبر من معدة الإنسان مرتين! ولهذا، خرجت بمعدة لا تقل حجما عن معدة الطورو الإسباني!
الأطباء أيضا اجتهدوا بعدما فتحوا معدتي ووجدوا أن أجزاء من الأمعاء قد تلفت مع جزء كبير من المصران الكبير، فأنقصوا الأمعاء الدقيقة والقولون بحيث لم يعد طولها 11 مترا ، بل فقط 2 أمتار مع 2 أمتار مكعبة من المعدة! يعني أني أصبحت ضبعا، وليس بني آدم! آكلة اللحوم هي التي تملك أمعاء قصيرة، قياسا بأكلة العشب التي تمتاز بأمعائها الدقيقة الطويلة! لقد صرت من آكلة اللحوم! وحشا يعني؟
بقيت نصف يوم ثم أفقت من غيبوبة البنج!
أول ما سألتهم: كاينة الماكلة؟ عيدتوا وإلا ما زال؟..أعطوني ناكل راني ميت بالجوع!
طبعا لم يكن الأمر مسموحا به ولا موجود الأكل في المستشفى أصلا!إذا لم يحضروا لك أهلك الأكل، كول روحك! يقولون لك: علاه هنا عندنا أوتيل؟ هنا يا ..تموت يا.. تعيش!
أتذكر أيضا أنه لما اقترب موعد العملية، قلت للطبيب: راني خايف! هذه أول عملية جراحية في حياتي! فرد علي الطبيب: ما تخافش، رانا قاع كيفكيف..حتى أنا هذه هي أول عملية جراحية في حياتي! (تعرفون؟ أصابني الرعب!). مع ذلك، الحمد لله، خرجت بكرش تزن فارغة 5 كلغ ومليئة 15 كيلو! مما أضاف إلى وزني 10 كلغ صافيه! فأنا أصلا أزن 115 كلغ صافية، أي بلا لباس!
كان هذا قبل العيد بعشرة أيام. بعد ذلك، بقيت يومين ثم خرجت..وتعالى تشوف العجب: صرت آكل كل نصف ساعة! واللحم فقط! في البداية كانوا يخلطون لي اللحم المطحون مع الخبز والرز، ولكني كنت أريد أن "أكدد"، أن أرى العظم مفريا تحت أسناني وأنيابي! حتى أن أنيابي طالت حسب ملاحظة الجميع! في أقل من أسبوع، صار عندي 8 أنياب وضمرت الأسنان والقواطع.
عائلتي ملوا مني..خاصة في رمضان! لم أعد أصوم بالطبع، لكن صرت مصدر إزعاج! الإمام أفتى لهم بجواز أكل لحوم كل الحيوانات ما عدى الخنزير! وعليـه فقد صار أبنائي وزوجتي يشترون لي لحم الحمير والبغال والأحصنة! ذبحوا لي حمرا شابا،  لما خرجت من المستشفى ثم بغلا هزيلا بعد أسبوع!
الميزانية العائلية لا تكفي للحم! فقد صار عندهم "سبع"، كروكوديل! ولم يبق أمام أبنائي سوى أن اقترحوا على حديقة الحيوانات أن تتكفل بأمري مقابل أن أعمل  مجانا حارسا ليل نهار للحديقة! فقبلوا بالمبادرة، خاصة وأن المير دخل فيها شفيعا! وجدت عملا بالمجان (مقابل الأكل يعني!) في حديقة حيوانات لبلدية! وهنا تعالوا لتروا "ليسطوما نتاع أخوكم"! صارت تنمو! هل رأيتم معدة تنمو؟ نعم لقد نبتت في جنباتها جيوب جانبية، ثم ما لبثت هذه الجيوب أن نمت وصارت بحجم معدات جديدة! يبدو أنها صارت تعرف تخصصاتها ومهماتها: العظام المفرية تذهب لجيب واللحم لجيب والشحم لجيب!
وما إن اقترب العيد، حتى كنت أطلب من صاحب العمل أن آخذ شهر عطلة، مع أني لم أعمل سوى أقل من أسبوع، نصفه، نصف مريض! مريض على كل شيء، إلا على الأكل! لم يقبل مدير الحديقة هذا بالطبع، وطالبني بمزيد من العمل وقلة في الأكل. فلقد صرت أسرق لحم  النسور والضباع و النمور الثلاثة والفهود والذئاب العشرة وبقية أكلة اللحوم. فقط آكلة العشب هي من "سلم أكلها من سلمياتي"! لقد بدأت الوحوش اللحمية تهزل، بينما صار عساس الحيوانات يسمن وتخرج له كروش جانية!
لقد أنفضح أمري، فأقلت من العمل يوم العيد بالذات، لأدخل في دوامة غضب، لا بسبب الإقالة، بل بسبب قلة الأكل ما بعد الإقالة. لكن هذا لم يطل! تلك الليلة دخلت على جناح "الصرعة" إلى جناح الاستعجالات بعد عناء دام 17 ساعة!
نفس العملية ونفس الفريق..إلا من عنصر جديد: كان الجديد هو ابن مدير حديقة الحيوانات، الجراح القديم المتخصص الذي اكتشف أني كنت آكل لحم الخنازير البرية المقدمة للأسود الثلاثة والضباع الخمسة والفهود والنمور الثلاثة. بل اكتشف أيضا أن المعدة التي أعدت لي لم تكن معدة عجل، لأن دوارة العجل أكلت "يوم أكل الثور الأبيض"! تعشاو بها الخاوا ولم يجدوا ما يضعون بدلها، فخاطوا لي المعدة وخلفوها "بإيرباغ" ! وقيل ايضا "شامبراير" نتاع تراكتور!
عندما أفقت، كان اليوم الأخير من رمضان والمغرب على الأبواب، وأنا أتلوى من الجوع وأقول في نفسي: واقيلا الإيرباغ راه باغي يديرها! 
جون 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home