Saturday, December 12, 2015

شهادات تخرج تعادل شهادات ميلاد!



شهادات تخرج تعادل شهادات ميلاد!


منذ الاستقلال ونحن نسير أمورنا الثقافية والعلمية بعقلية إدارية، والعقلية الإدارية نسيرها بخلفية سياسية، والخلفية السياسية نسيرها بذهنية عسكرية، والذهنية العسكرية نسيرها بعقلية بدوية! لا شيء يسير  نفسه من تلقاء نفسه، حتى إننا خلال سنوات منتصف السبعينات وبداية الثمانينات، قررنا إدخال الجامعة كل المرشحين الكبار الذين لا يحملون البكالوريا، وهذا بعد "تكوير" (كور واعط للأعور) قصير المدى، تعطى إثره للمترشح شهادة معادلة للبكالوريا لكي يدخل بها ويسجل في الجامعة ويحصل على ليسانس التي كانت مطلوبة لشغل مناصب إدارية مهمة. أنا لا أتحدث عمن درسوا في الجامعة ودخلوها بمسابقة بدون بكالوريا، أتحدث هنا عن سياسة لإبقاء نفس العناصر التي لا تحمل الشهادات سابقا في مناصبها، بالأساس كانت موجهة لبعض المجاهدين لتسوية وضعهم المهني! فالجهاد، إذا لم يمنحك الشهادة في سبيل الله، على الأقل يجب عليه أن يمنحك شهادة جامعية!! هذه هي العقلية التي سيرت البلد لسنوات ولا تزال!
كيف نعادل بين الأمرين؟ بين الجهاد، والعلم؟ كيف يمكن أن نقرر بمرسوم رئاسي مثلا أن نجعل من فلان أديبا أو شاعرا وهو لا يعرف حتى كتابة اسمه؟ هذه هي المفارقة عندنا التي تضحك وتميت ضحكا وبكاء!
نمت هذه المرة على قرار وزارة التعليم العالي الاعتراف بالشهادات الأمريكية ومعادلتها بالشهادات الجامعية الجزائرية، نقصد معادلة ما تسمى في الولايات المتحدة بالدكتوراه الفلسفية (Phd) والتي تعادل عندنا شهادة الدكتوراه (بكل أشكالها: دكتوراه الدولة سابقا، دكتوراه درجة ثالثة، ودكتوراه "توكور" وقد تعادل دكتوراه " الآلام ديه"!! عما قريب!).
المسألة مضحكة، لأنه عوض أن تسارع الوزارة إلى معادلة الدكتوراه الأمريكية بالدكتوراه الجزائرية في عز أيامها، يوم كان الدكتور لا يتدكتر إلا بعد 20 سنة أو أكثر..وليس بعد 4 سنوات أو حتى اقل إن هو عرف كيف ينقل من الشيخ غوغول ولا يفتضح أمره! أما أن نسارع اليوم إلى معادلة الدكتوراه الأمريكية بالدكتوراه الجزائرية بهذا المستوى التي ننتج فلعمري هي حماقة ما بعدها حمق (لا أنكر وجود رسائل في غاية القوة والدقة والرصانة، لكن غالبية الرسائل لا ترقى حتى لتكون رسالة بريدية! مع ذلك نصر على معادلة شهادات أمريكا بشهادات الجزائر، وكل هذا بعقلية "الشهداء"! أحنا أبناء الشهداء والمجاهدين..نستأهل أن تكون شهاداتنا أحسن من "شهادة لا إله أله الله! مع أنها لا ترقى أحيانا حتى إلى شهادة الميلاد!)..
نمت لأجد نفسي وزيرا لكل الأشياء من تعليم "هاود"  إلى تعليم "عالي" إلى تعليم ناقص، إلى وزير "العلم لله"! كل ماله علاقة لا بالعلم ولا بالمعرفة، صرت أنا له وزرا وحملا ثقيلا! أضافوا لي وزارة الصناعات الخفيفة ووزارة العمل والتوظيف!
لاحظت أننا ومنذ الاستقلال عملنا على رفع عدد حاملي الشهادات العليا، لكن بدون اشتراط المستوى العالي ولا التعليم العالي! همنا كان يتمثل في أننا نفرخ ونفقص عددا أكبر من بيض حملة الشهادات حتى من لا يشهد له أحد أنه يحمل أدنى مستوى!: التلميذ يدخل إلى السنة أولى ابتدائي ويخرج حاملا للدكتوراه بالسيف عليه حتى ولو بقي في بيت أمه! الشهادة يديها يديها..! بالعكس، وجدنا أنه مثلا، يدخل في السنة أولى ابتدائي هذه السنة 500 ألف تلميذ، هذا العدد، وبعد حساب سنوات الابتدائي والمتوسط والثانوي ثم الجامعي يصل إلى مليون! ضعف العدد! عوض أن يتناقص هذا العدد بسبب الرسوب في كل محطة قطار، على العكس يتزايد ويتضاعف!. الناس يركبون القطار وهو يسير!: الناجحون في الليسانس أكثر مما كانوا عليه يوم تسجيلهم في في الابتدائي!! والسبب سياسي والتسيير إداري! والهدف هو إبقاء التلاميذ من الحضانة إلى الدكتوراه قيد المراقبة وتلهية مدى الحياة إلى أن يكبر ويتزوج فيصبح حيوانا عاقلا يمكن رفع الرقابة عنه وإعطاؤه الحصانة على البغالة التي يملكها! لأنه سيوظف القليل منهم ممن نستحقهم في مناصب إدارية لإنتاج مثل ما أنتجنا من مثقفين موظفين لا يقولون لا.. حتى في التشهد! لأنهم حملوا الشهادات "قراص آآنو!".. نحن الذين مننا عليهم بالشهادات ولولانا لما دخل أحدهم وخرج بشهادة!
وجدت أن عدد الشهادات التي منحناها كانت أكثر حتى من عدد المتخرجين،فقد كنا نطبع الشهادات بدون حساب، حتى أننا في الأخير صرنا نوزعها مثل الاستمارات..عمر وأربح!: تذهب "لاميري" تسحب استمارة شهادة دكتوراة، عمرها وروح تربح.. راك دكتور! الله يسهل!!
بعد ذلك، صار هؤلاء يشكلون عائقا: كلهم يطالبون بأن يوظفوا كأساتذة وباحثين في الجامعات! قلنا لهم: روحوا للجوامع..روحوا للحمامات..دبروا رؤوسكم..أحنا قريناكم بلا قراية وأعطيناكم شهادات (زور) هيا عفطو علينا خلونا طرانكيل!. البعض منهم سمع الكلام وراح يبيع الكاوكاو والزريعة في قراطيس شهادات الباكالويا والليسانس والماستر والدكتوراه..بكل حسب نوع الورق والشهادة وليس بحسب نوعية الكاوكاو! كاوكاو شهادة الدكتوراه، بـ"دو ميل"، والبقية بألف و500 سنتيم..! هذا قبل أن نرفع شأن الشهادات بمعادلتها مع شهادات أمريكية وأوربية فأصبح "كورني" كاوكاو دكتوراه بـ"دي ميل"..وكورني كوكاو ماستر "الآلام ديه"..بـ50 دينار..وهكذا..
باعة الكاوكاو سرعان ما حاصروا مبني وزارة التعليم (بلا علم) والعمل (بدونه) والتوظيف (بلا به)، مطالبين التوظيف الفوري وغير المشروط في الجامعات (من أجل تفريخ صغار بني أمية) وضمان حق الجهل للجميع..على أساس أن زارع الجهل لا يجني إلا جهلا! وهذا ما جنته براقش على نفسها...
وأفيق وأنا أرفع سبابتي إلى السماء وأنا أتنهد وأتشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله...أموت ويحيا الوطن!!
فبراير 2015


0 Comments:

Post a Comment

<< Home