Saturday, December 12, 2015

العصبية "الخلطونية|



العصبية "الخلطونية"

اجتمعت علي الآفات والمصائب والنوائب والعواقب والشوائب من كل حدب وصوب ولم أعد أتمكن من التحكم في صداع الرأس ولا في مغص البطن ولا في آلأم الظهر ولا في سقم الصدر! تورمت الأقدام من كثرة المشي و"الهكيش" وهزلت بعد سمنة لا مبرر لها (تراني سمينا وأنا لا أزن أكثر من 50 كليو! منفوخ فقط بالريح كبالون اختبار أو منطاد إبحار!) صرت عرض لشماتة الأطباء وجشع أصحاب المخابر ولهط الجراحين ولغط البراحين: كل يوم أسمع هذا يقول لي: زر الطبيب الأخصائي فلان إنه أحسن من فلتان! وفلانة تقول لي: اذهب عند ة لأنها أحسن من فلانة..مما زاد لي أوجاعا على أوجاعي! وجع الأمراض ومرض الأوجاع! والأولى أهون! أفضل أن أمرض على أن أفكر في المرض.. الذي نعيش همه وأسقامه وتبعاته وأعراضه كل يوم: سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا وفكريا وثقافيا أكثر! صرت أعاف أخرج من البيت لأني أعرف أني إن خرجت لا أدخل: خصومة مع هذا و"دباز" مع ذاك و"دواس" مع هؤلاء و"تكفاس" مع أولائك و"تهراس" مع أولائك..! في السيارة وأنت تسير، على رجليك وأنت تدبو، على الرصيف وأنت تنتظر أو تحبو، وفي الحافلة أو الطرام وأنت ترتطم! هذا ينسف على هذا، هذا يلصق في ذلك، هذا يسب الدولة، ذلك يكفر بالله، تلك تسب "الراسة نتاع والدين يمات جد " هذاك! هذا يطيح الكلام أمام الناس، هذا يتحدث في الهاتف ويسب ويمشي! ذلك، يسوق السيارة ويتكلم في الهاتف ويسب من في الخارج ويكمي، كل في نفس الوقت!!
لم أعد قادرا على رؤية هذه الفوضى من حولي وهذا التحول الفوضوي الذي يحيط بي كل مكان وأغرق أنا فيه كما غرق فرعون في يم موسى! صرت أرى نفسي أنا هو فرعون والناس من "هولي" هم اليهود (حاشا الناس أجمعين!)..وفي كل الحالات، لا أنا راض عن نفسي بأن أكون هو فرعون ولا أنا قابل بأن يكون الناس من حولي يهود موسى!
مع كل هذا، زادني النسيان على المرض والقلق والعصبية "الخلطونية" التي أخلطت كل أوراقي!
لم يكفيني أطباء العالم في كل أمراض الجسد، فزادني طبيب الأمراض النفسية والعصبية (..يمكن أن تقول.. طبيب الأمراض العقلية! فنحن نذهب عند الطبيب العقلي"..لأنه لم تعد لنا عقول! لأنه باختصار لم يعد فينا ولا منا ولا معنا عاقل ولا معقول!
أخر مرة، وجدت نفسي في السبيطار بعد مقابلة ملاكمة أجريتها في الشارع أسفرت عن تحطيم مجموعة أسنان بائع جرائد، وجرح في خدي الأيمن بسبب نهشة من بائع الجرائد! ابن الكلب عضني لما لم يستطع أن يرد لي البونية! لكن أنا رددت لنا الصاع صاعين والعضة ركلتين في الحجر، فتحجر في مكانه وصار يعوي كالكلب الذي كان يعض! أما أنا فجئت ليكتب لي الطبيب وصفة تشهد لي عند الشرطة أن "كلبا عض إنسانا"..! هكذا قلت لهم.. فضربوا لي إبرة مضادة لداء الكلب! لست أدري في الحقيقة، ماذا ضربوا لي ! إنما عندما أفقت وجدت نفسي في جناح بالمستشفى..لا هو مستشفى ولا هو حبس! المساجين المرضى مربوط بعضهم والبعض منهم مطلوق..يصرخ ويسب. شعره كأنه رؤوس الشياطيمن والشجرة الملعونة في القرآن..! الممرضون كأنهم زبانية ملثمون، الأطباء لا وجود لهم أو كأنهم قد اختطفهم طائر "الرخ"! أنا بطابلي مقلوب وشعري مبثوث (أو لنكن صرحاء..ما تبقى من شعيرات!!). عرفت فيما بعد أني قد أنقلت على جناح "الصرعة" إلى جناح الأمراض العقلية بعد أن تجردت من ثيابي وخرجت كما خلقني الله..لأدخل إلى مقر الدائرة لأستخرج بعض الأوراق الإدارية المستعصية التي ردوني عليها كم من مرة..بدعاوي محتلفة! في الدائرة، دارت الدائرة علي بعد أن أدرت الدوائر على موظفي الدائرة، حين دخلت عليها بثوب سيدنا آدم عليه السلام، بعد أن قمت بالإحرام في مراحيض المقهى المقابل لمقر الدائرة! أحرمت وخرجت مهللا منددا..وأنا لا أعرف ماذا أقول (فيما بعد، قيل لي بأنك كنت تسب الدولة والحكومة والإدارة والجمارك والسبيطار والأطباء والمحكمة والبوليسية والضرائب والنقل والمدرسة ,,وكلش!).
عشرون يوما في جناح المرضى العقلاء قبل أن يتركوني أخرج بمراقبة صحية وأدوية يومية لمدة ثلاثة أشهر.
يوم الغد، ماذا يقول لي رأسي أفعل؟ اختلطت علي الأمور بين تحاليل مطلوبة مني (حاشاكم للصلب والسائل!) وتناول "عقدة" بعسل النحل وبعض الأعشاب المطحونة، وأيضا زيت الزيتون! ثم عندي الملف الطبي وأوراق ملف إعادة تجديد بطاقة التعريف والباسبور وحتى البيرمي...كل هذه الوثائق انتهت صلاحياتها في وقت واحد! كان عليها أن تضرب موعدا موحدا في يوم واحد؟ فقط في هذا الوقت الذي "أتخرج" فيه من مستشفى الأمراض العقلية بشهادة "هوموـ سابيانس" (إنسان عاقل)؟..
حملت كيسا بلاستيكيا محملا بكل هذه الأوراق رفقة 4 قوارير: قارورتان، إحداهما مليئة ببول الأمس و"الأخرا" ببراز الليلة، إضافة إلى قارورتين إحداهما "للعقدة" الدوائية الاستشفائية من مرض البواسير والمواسير وقارورة لزيت الزيتون لهذه السنة، بحسب تعاليم الطبيب المشعوذ! حملت الجميع في كيس واحد لعلي أمر على المخبر فأترك لهم سوائل وفضلات الأمس، ثم على الشيخ العزام، ليرقي لي العقدة والزيت ثم الدائرة لكي أستخرج بطاقة التعريف!
تلفت لي الربعة! لم أعرف بعد أن خرجت.. وكنت قبل قليل في كامل قوايا "غير العقلية"، فوجدت نفسي أدخل على سكرتيرة المير بشكل لا أصدق أنه حصل! دخلت في غفلة من الجميع..كأن العمى قد أغشاهم! حتى وجدت نفسي أدخل عليها والمير في اجتماع: قلت لها (ما نيش عارف كيفاش جاتني..هكذا إهام من عند الله!): السيد الرئيس راه موصيني على زيت الزيتون والعقدة..قول له راهم واجدين! وكان المير فعلا، ودون أن أعرف يبحث عن "عقدة" البواسير، وزيت الزيتون المرقية لكن دون أن يعلم أحدا..وأرسل في طلبه سرا!.فاعتقد أنه  أنا هو ذلك الشخص! كلمته الكاتبة في التلفون الداخلي فخرج يجري وترك الاجتماع واستقبلني ببشاشة لم أعرفها في وجه مسؤول من قبل! سلمت له "الأمانة" وأدخل في يدي مبلغا (كان يفوق مليون سنتيم) شكرني ثم دخل يجري لإكمال لاجتماع!.. هذا المير نفسه، كان قد طردني في البهو قبل عام، وأراد أن يصفعني فقط لأني قلت له: السلام عليكم خويا! ما بغاش كلمة "خويا"..قيل له أن بعدها أصيب بالبواسير وانعسار في المواسير، وأنه يداوي حلقه عند العشابين ..
عندما دخلت إلى المخبر..وأعطيتهم المواد الصلبة والسائلة..قالوا لي أرجع يوم الغد...لأن ما أحضرته هي عقدة وزيت الزيتون!!
فهمت أن ما أعطيته للمير كان شيئا "أخرا"...!
وأفيق وأنا أضحك ككل مرة...
مارس 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home