Saturday, December 12, 2015

توفيق الرئيس






توفيق الرئيس



ما أقدم عليه الرئيس مؤخرا من تغييرات في "سلك الكهرباء"، بقدر ما كهرب به الكثير، بقدر ما يكون قد رسم مستقبل البلاد "الأمني"! مستقبل لا يضمنه أحد، رغم أنه بهذه التغييرات، يريد أن يبقى البلاد ما بعد العهدة الأخيرة "غير مكهرب".
الرئيس الذي أخذ على عاتقه مهمة تغيير وجه النظام القديم للجزائر والانتقال بها إلى دولة عصرية ديمقراطية مدنية، كان عليه أن يكون الآمر الواحد والناهي الأوحد! وكان عليه أن يفكك براغي النظام القديمة الصدئة المهترئة. وهذا لم يكن ممكنا بدون صلاحيات واسعة كرئيس كامل غير منقوص، أو كما قال هو بنفسه عن نفسه، قبل العهدة الأولى: لا أريد أن أكون ربع رئيس! أي يريد أن يكون رئيسا كاملا وليس مجرد "فانطوش"! وهذا ما سعى لفعله خلال حكمه وبالتدريج. كان عليه أن يفكك ألغاما عدة أمنية وسياسية، ولكن كان عليه في النهاية وقبل انتهاء العهدة الثالثة أن يزيل خطر "الدولة داخل الدولة"، أو ما كان يطلق عليها إعلاميا بجمهورية الجنرالات والمخابرات!
لقد بدأ بنقل مراكز القوة والسلطة إلى يده عن طريق تحييد بعض الأسماء في "السلطة الفعلية" كما كان يسميها الراحل مهري، نحو العمل الاقتصادي من خلال إغراءات مالية لم تكن دائما ذات سمعة طيبة ولا حتى في إطار القانون! لكن الغاية تبرر الوسيلة: والغاية هي تحييد الضغط على مركز القرار الرئاسي.
آخر القلاع، بقيت له كانت قلاع الاستخبارات، التي يعلم كل منا أنها كانت هي المقصودة "بالدولة داخل الدولة" أو هي "صانعة الرؤساء" وموجهة النظام، إن لم تكن هي النظام نفسه! وكان على الرئيس أن ينقل "إصلاحاته" نحو هذه المؤسسة التي لم يكن أحد يجرؤ على المساس بها وبقياداتها ورموزها. هذا الأمر لم يكن بدون صعوبة ولا احتكاكات داخلية بدت ظاهرة للعيان والآذان قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وخرجت للعلن صراحة على لسان أمين عام الآفلان! لقد كانت هناك تراشقات تفيد بأن هناك احتكاكات وتفيد بأن سياسة التوازنات السابقة قد بدأت تبنى على توازنات جديدة ومعطيات جديدة، لا يمكن نكران تدخل العامل الخارجي فيها (فرنسا وأمريكا) بالعامل الداخلي، والتي تريد كل منها أن ترى الجزائر دولة مدنية عصرية ديمقراطية مفتوحة وقد أنهت علاقتها مع الإيديولوجية الأحادية الأمنية! وهذا خطر آخر: خطر انفتاح البلاد على المجهول في ظل تفكيك النظام الأمني القديم وعدم استبداله بمنظمة أمنية واستخباراتية أكثر احترافية وموجهة توجيها مهنيا غير مسيس ولا مؤدلج! ومن الصعب تحقيق هذا الأمر بهذه السرعة وبهده السهولة.
الكل يرى أن تنحية قائد الاستعلامات..أخيرا، هو نتيجة لتفاهمات وليس فقط رغبة من الرئيس! كما أن الأمر يتعلق أيضا بتوازن قوى داخلية وخارجية (لا ننسى دور فرنسا التي عملت الكثير في هذا التحول من دولة "الجنرالات والمخابرات حسب رأيها"، (ولنقرأ صحفها وما تقول!) إلى دولة المؤسسات، ومن دولة "مدين" إلى دولة "مدنية". هذا التوجه، قد يفتح الباب على كل الاحتمالات: إما أن نكون قد سهلنا المهمة على المؤسسة الأمنية الاستخباراتية للتكفل بصد الأخطار الإرهابية والاقتصادية وحماية الأمن الوطني وترك العمل السياسي مفتوحا بلا ضوابط ولا قيود ولا توجيه ولا تكوين ولا غرف مغلقة ولا صناديق سوداء، ونكون بذلك قد وضعنا القطار على السكة! وإما أن نكون قد فتحنا الساحة  أمام التخابر الأجنبي وعمل الأحزاب والحزيبات والجمعيات واللوبيات على هواها بما تهوى أنفسهم وأنفس القوى التي تدعمها في الداخل والخارج، وهنا نكون قد أبعدنا الأمني الاستخباراتي من السياسي، ووضعنا "السكة على القطار"!
 لكن إلى حد الآن لا أحد منا يمكنه أن يجزم بما قد تسير عليه الأيام القادمة. والأخطر هو تفكيك المنظومة الأمنية الاستخباراتية، من حيث أردنا إصلاحها وتغيير وظيفتها وبنيتها العقائدية.
نمت على هذا الهاجس المركزي لأجد نفسي أحاور لأول مرة الجنرال مدين: العزيز مدين، ما تعليقك على أحالتك للمعاش وأنت في ريعان الكهولة، 74 سنة ما شاء الله مازلت جميلا ومهابا وأنيقا: مدين: أنا من أراد ذلك، أنا من طلب الإعفاء والراحة بعد 25 سنة في المهمة وأكثر من نصف قرن في المهنة. خلاص واش باغيين تحبسوني، باغي نشعر باني مواطن حر لا رقابة على دخولي ولا على خروجي، بغيت نتصور كما الناس! أنا الوحيد المظلوم فيكم! ما عنديش ألبوم فوطو واحد! قلت له: كيف تريد أن أناديك" مدين أم توفيق! قال لي: توفيق، لأنه اسم اخترته وأنا مدين فورثه، مع ذلك أحبهما جميعا! فمدين قوم شعيب (أولطاش)، وتوفيق، توفيق من الله. قلت له: ما رأيك في مستقبل البلاد بعدك؟ قال لي: خليها على الله! الكل يعتقدون أن "توفيق" هو "رب" هذا البلد، وقد قالوا عني أني قد قلت هذا الكلام، وهذا غير صحيح. والله لولا "الله" لما قامت لهذا البلد قائمة بل ولقامت القيامة! فالتوفيق من عند الله! وخطوني منكم! قلت له: لكن ما رأيك في توقيف الجنرال بن حديد مثلا؟ قال لي: بن حديد أراد أن ينتقل من العسكر إلى الاشتغال بالهم السياسي المعارض وهذا ما سيجلب له المتاعب. فنحن نملك واجب التحفظ ولا ينبغي للعسكري عندنا ولو أحيل على المعاش أن يعيش من جديد على السياسة. لما تخرج، يجب أن تنسى ماذا كنت! قلت له: ولماذا هناك الكثير من الجنرالات يعودون للعمل السياسى بعد "تخرجهم" من المؤسسة العسكرية. قال لي: لما نقول الاشتغال بالسياسة، نقصد بها "سياسة المعارضة" أما إذا أردت أن تساهم في سياسة الدولة فلا مانع أن تشتغل في السياسة، لأن هذا ليس عملا سياسيا بل سياسة عمل! نفس الشيء بالنسبة للمساجد مثلا: ممنوع أن ندخل السياسة إلى المسجد، ولكن نقصد بذلك سياسة معارضة السياسة المتبعة، أما إذا مارس الإمام سياسة السلطة والحكومة، فهذه ليست سياسة، بل دين! قلت له: الله يوفقك يا خويا توفيق..نورتنا الله ينور قبرك بكونتور نتاع سونلغاز من نوع 380 فولط!
وأفيق وأنا أردد تحت شفتي خائفا: وما توفيقي إلا بالله!
أكتوبر 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home