Saturday, December 12, 2015

سياسة التطهير السياسي




سياسة التطهير السياسي


فكرت ألف مرة ومرتين كيف أخرج البلاد من هذه التعاسة السياسية والثقافية والأمنية التي أوصلتنا ليها الأقلية الساحقة، ولم أجد إلا فكرة واحدة، سقطت علي في المنام: رؤيا فسرتها على طريقتي وبتأويلي الخاص! رأيت في المنام أني صرت طباخا بفندق للأجانب، وأنا أخلط الكابويا بالبصل بالفلفل الحار بالحمص بعصيات الشربة وبأشكال من التوابل المالح منها والحار، الحامض والمر.. أحضر "حريرة" لا أصل لها ولا فرع!
صرت "محررا"، بل و "رئيس تحرير" لمطبخ غريب الشكل: كله فرن واحد ولا وجود لمبرد أو ثلاجة ولا حتى أدوات كهرو منزلية، ما عدا "الخلاطة" اليدوية ومعصرة لليمون والحوامض ومجموعة سكاكين (برج منايل)! وسواطير ولاعق معوجة ومعقوفة من الخلف!
فسرت هذا المنام على أنه وضعنا السياسي والثقافي والاجتماعي بأحزابه المجهرية (عصيات الجمرة الخبيثة) وأسماكه وقروشه وحيتانه وسلاحفه وضفادعه الذين يتقاسمون ريع المطبخ. لكن اليد التي كانت تحرك (يدي) لم أعرفها، لأنها هي الأخرى كانت تحركها قوة ثقيلة كذراع من حديد.
هذا الحلم دفعني إلى التفكير في طريقة لفرز المعاصي والآثام عن طريق التطهير الأخلاقي (وليس العرقي أو الاستئصال الديني). كل هذا في المنام.
ماذا أفعل؟ جمعت كل الجزائريين والجزائريات، الأحياء منهم والأموات، ونظمتهم في طبقات اجتماعية: طبقة محترفي السياسة والمسوسين بها، طبقة الإداريين والدائرين بها، طبقة التجار والمتاجرين بنا، طبقة المستوردين والموردين ومن وردوا معهم، طبقة المثقفين والمتعلمين و"الفنيانين" من الفنانين، طبقة العلماء والأطباء والمهندسين وما اندس منهم معهم، وأخيرا عمال النظافة والتربية والتعليم العالي منه والمنحط! وشكلنا لجنة من الخبراء في الأخلاق من الشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا، وبدأنا بإرسال بعثات للتدرب على نبذ الشهوات والأنانية والمناكر وتعلم الإيثار والكرم والتفاني والإخلاص والوفاء والدقة والصرامة واحترام الناس والوقت والعمل وتوقير الصغير للكبير والكبير للصغير والمرأة للرجل والرجل للمرأة وتعلم كيف نعطي أكثر مما نأخذ وكيف لا نطلب المسؤولية بل نقبلها على مضض وكيف نعتبر المسؤولية تكليفا لا تشريفا وأمانة على الرقاب وكيف نؤمن بأن الله معنا يرانا في كل حين، وكيف نحترم القانون الوضعي الذي لا يتعدى على حرمات الله وكيف نقول لا للباطل ونعم للحق ونقف مع المظلوم ضد الظالم ولا نستبد بالرأي ولا نفسد ولا نرفث ولا نسب ولا نلعن ولا نتأفف ولا نتسول ولا نتوسل..
بدأنا بالسياسيين: وزراء وأحزاب وقيادات على جميع الأصعدة والمستويات! منظمات، رؤساء حكومات وجمهوريات وزراء ولاة مدراء عامون، مسيرو الدواوين! أشركنا معهم نظراءهم في العالم الإسلامي والعالم العربي وأرسلناهم لمدة أسبوع في "تربص قصير المدى" ليعيشوا في بيوت الثلج..عراة حفاة جوعى. ينقلون بعدها إلى منطقة "النوبة" (جنوب السودان).."بالنوبة.. كل واحد ونوبته! (البعض منهم مات بنوبة قلبية حتى قبل أن يصل إلى النوبة!) وهي أسخن منطقة في العالم بعد جهنم! وهذا لمدة أسبوعين بدون أكل ولا شراب ولا لباس إلا من مسحوق ترابي صلصالي أبيض لطلي الجلد حتى لا يحترقوا تحت فحيح أشعة الشمس. بعدها، ينقلون إلى البحر المالح (البحر الميت) لمدة أسبوع وليلة. هناك يتجردون من المحيط والمخيط ويدخلون الماء، لا يخرجون منه لا ليلا ولا  نهارا! حتى تلين جلودهم وتتملح كما يتملح سمك "الآنشوا". بعدها، ينقلون "مشيا على الجمال" بدون "بردعة" من البحر الميت إلى المحيط إلى الخليج ومن الخليج إلى المحيط إلى البحر الأحمر، لأشهر، عراة حفاة كما "لم تلدهم أمهاتهم"! حتى تنسلخ بواطن أفخاذهم (كما فعل بأبي ذر الغفاري رحمه الله) مرورا بجدة وأداء مناسك العمرة في شهر أوت في رمضان!
بعدها، يعود كل مسئول إلى كرسيه ليجلس عليه (إن وجد مكانا صالحا من جسده يجلس عليه!). وهكذا، نطبق هذا التطهير والتدريب على الصبر وتحمل المصاعب والمشاق خدمة للناس وحدهم لا خدمة للجيب ولا للاسم ولا للمنزلة ولا للعائلة أو القبيلة أو رقم الحساب في الخارج! هكذا، كل طبقة تمر بهذه التجربة التطهيرية الواحدة تلو الأخرى، حتى يمر بهذه التجربة 3 ملايين جزائري وجزائرية.
أصارحكم القول؟ ما إن خرج هؤلاء إلى رحلة التطهير (بالمناسبة، هم لم يكونوا يعلمون تفاصيل التجربة! لأني كنت متأكدا، أنه لن يقبل أحد بها ممن يرون في المنتصب تشريفا ولا تكليفا، ولكننا أخذناهم على أساس "تدريب على التسيير"! وكنا نعلم أنه لن يعود منه أحد بعقله وجسده وفكره إلا واحد في الألف!). ما إن خرجوا في البعثة، حتى كنا نعوضهم بأمثالهم من بقية من يريد المسؤولية (لا داعي لكي تعرض المسؤولية على أحد، اتصل به واطلب منه أن يلتحق بمنصبه غدا على الثامنة في وزارته مثلا!سيكون هناك حاضرا على الرابعة صباحا، هذا إن لم تجده قد قضى الليلة نائما عند الباب منذ عشية ذلك اليوم!).
لقد عوضنا المناصب الشاغرة بأسماء جدية من المتعطشين للسلطة والمسؤولية، بعدما اعتبرنا هذه المناصب وهذه الكراسي "أملاكا شاغرة" طالما أن لأصحابها في حالة "انتداب"!(أرًاهم يندبوا!)
علمنا ساعتها، أن كل الناس صاروا متعطشين للمسؤولية إلا من رحم ربك (ولذلك خلقهم!)، وعليه، قررنا تعميم التجربة على 40 مليون جزائري وأنا أولهم.. وآخرهم! لأني عندما سأذهب، لن أعود! سأهرب إلى سويسرا مباشرة بعد نزولي في القطب الجنوبي!.. أنا أعرف معنى هذه لتجربة التي لا يتعلمها إلا القليل..وأنا واحد من هؤلاء القلائل الذين لا يتحملون لا القليل ولا الكثير!
عندما أفقت من نومي، كان مقلاة زيت ساخنة تهوي على وجهي وأنا أشخر بجوار الطباخة التي كانت تقلى عليها سمكات صغيرة، لم نجد غيرها للأكل هذا العشاء!
ماي 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home