Saturday, December 12, 2015

خروف "ديمي طاريف"



 

 
خروف "ديمي طاريف"

واجهت الدخول الاجتماعي بداية على مختلف الجبهات الاجتماعية والاقتصادية. فقد مرت علي محن كثيرة منذ خروجي في عطلة مع بداية رمضان! فقد كان علي أن أذخر مثل النملة شتاء، لكي أغني مثل الصرصور صيفا! لكن في الأخير، لم أجد نفسي لا في عير النمل ولا في نفير الصراصير! فقد وجدت نفشي "أكردي" بعد أن هبطت أسهمي من جراء كثرة الضيوف والعزومات والمآدب والأعراس والحفلات، حتى أني حين بطل الماء، لم أجد حتى التيمم! مثلي مثل بلادنا في التقشف بعد خراب مالطا!
رمضان استنزف مني، من خلال سياسة الاستهلاك بلا حدود، كل ما علق في الجيب من كريدي، ثم تبعه عيد الفطر وحلوياته وألبسته، وجاء الصيف والبحر وما ابتلعه، ثم جاء الدخول المدرسي وما لبسناه، ثم أقبل عيد الأضحى وما تبعه. ثلاثة أشهر من الإنفاق العام الأعمى من طرفي، مدفوعا إلى ذلك برعاية سامية من رعاين بيتي وسموم أمهم. وكان  آخر ما وقفت عليه تساؤل لا يقل عن السؤال الفلسفي الكبير: من أنا، من أين جئت وإلى أين أنتهي؟:  تساءلت قبل العيد: هل سأشتري كبش العيد أم سأعيد كالعادة بالدوارة والكبدة والبوزلوف؟ أم أزهد فيه وأقول: العيد ليس فرضا وإنما فقط سنة مؤكدة! لكن نفسي ستقول لي: وما أنفقته في البحر ولابلاج، وفي رمضان في عز الصوم، سنة مؤكدة أم فرض عين؟ أم فرض بطن؟ الحاصل لست أدري!
بقيت أسبوعا، أفكر: هل علي أن أعيد جدولة ديوني التي لا أكاد أقول أني بالكاد قد اقتربت من نهاية تسديدها، حتى يأتي علي شيء من الدهر لم أكن مذكورا! أعود إلى الصفر في رمش العين، لأجد على كاهلي وأنا كهل، ديونا أثقل من جبل أحد وجبل مديونة!: المشكل، أني لم أعد أجد حتى من يقرضني لا قرضا حسنا ولا سيئا! فالكل يخشون من أني قد "أضربها بموتة" وأتركهم معلقين! خاصة ونحن لا نكتب الديون، عكس ما تنص عليه الآية الكريمة. هذا فرض، صرنا لا نعمل به نهائيا في معاملاتنا التجارية وكأننا نضمن لأنفسنا أننا لا نموت، مع أن الموت يأخذ منا الصغير قبل الكبير والمعافى قبل العليل!
لم أجد من يقدم لي قرضا بدون فائدة. فكرت في البنك، لكن الفائدة التي هي الربا، ستفلسني بالجملة بعد أن يكون الرد بالتقسيط! إضافة إلى حرمته!
لم يبق لي أمام إصرار قبيلتي التي في بيتي على ضرورة أن نعيد كسائر الناس، إلا أن أبحث عن خروف من "الشيفون"، "أوكازيون"! أو "ديمي طاريف".
بقيت أسبوعا أبحث في الزرائب المجاورة عن كلاب، أو عفوا عن كباش طايوان! كبش في ظاهره، كلب في باطنه! لماذا كلب؟ لأن بعض كباش المدن لا ترعى إلا في المزابل وعلى الأوراق والجرائد، أي علف مجاني! هذه الكباش، عادة ما يكون سعرها ارخص من سعر المعلفة بطونهم بالتبن والشعير والشوفان، لأن راعيه لا يكلفه ذلك شيئا!: الكباش التي تأكل الدلاع والبورسات وأشواك السمك والهندية، ووسخ "لي كوش"، ماذا يخسر عليها مربوها؟ مع ذلك، لا يقل سعرها عن الكباش الصحراوية والراعية والمعلفة حقيقة، وحتى  تلك المعلفة بالخبز الجاف وأكل الدجاج! إلا بمقار ضئيل، نرى فيه نحن من نحسب بالمقلوب وبالحساب الأعوج، أنها رخيصة نسبيا! بل نحن هم"الراخسون" وفي كل شيء!
في الأخير وجدت خروفا، بدا لي مثل كلب الزرائب: يعوي ولا يثغو، ويكاد ينبح! قلت للبائع، الذي لم يبق معه سوى 4 من أصل 10 "كلاب" تحت رعايته "السامة": بشحال هذا الحية؟ قال لي: ثلاثة ونص!.. آآآه؟ ثلاثة ونص؟ علاه ماروتي؟ ياك هذا غير خروف خردة! أوكازيون، نتاع شيفون، خروف نتاع البالة! قال لي: شحال قلت؟ قلت له: أنا ما قلت والو! قال لي: راني نقول لك شحال قلت؟ (كان يحدثني كما لو كان يريد أن يضربني! هذا راه يبيع وإلا راه يهدد في؟ ما بهم الناس صاروا هكذا قليلي التربية والأدب واللغة؟ تربوا مع الخرفان هذه التي تربت في المزابل؟ ما هذا السلوك في التعامل حتى في التجارة؟.كنت أتساءل مع نفسي وكدت أن أتركه وكلابه وأبحث عن زريبة أخرى، قبل أن يعيد علي سؤاله الأرعن: الحاج، بشحال بغيت؟ قول؟ قلت له: أنا عندي زوج، هذا ما كان وما نقدرش نزيد أكثر! قال لي: زوج؟ ما يجيولكش هذا! هذا كالي غير الجرنان نتاع العربية، نشريه بالقنطار! قلت له: خروف معرب ياااك؟ ما عندكش واحد قاري غير الدارجة يكون رخيس كيفك؟ (الحمد لله لم يفهم كلمة رخيس كيفك"، فرد علي: كاين هذا بزوج إذا بغيت تديه، راعي في الزريبة نتاع الخرجة: كالي غير الطيبات من الأرزاق! قلت له: معناه كالي وسخ الناس كلهم؟ ما شاء الله! وبزوج ملايين؟ قال لي: هذا الموجود بهذه السومة! هذا ياكل الجرنان نتاع الفرنسيس، رخيس شوية عليه، على خاطر الجرنان بالفرنسيس نشروه شوية رخيس على نتاع العربية. قلت له: على بالي المرتجعات بزاف!
بقيت في حيرة من أمري أفكر، وابني الصغير بجانبي يقول لي: بابا أشرينا هذاك..هذاك! وأنا أنهره من حين لأخر: باش بغيتني نشري هذاك؟ بدراهم أمك؟ وين راهم الدراهم يا وجه الهم، بلع واسكت!
ثم رحت أتفاوض مع الراعي المربي: بشحال تبيع لي خروف مفرنس؟ باغي نذبح جد يماه نكاية في فرنسا اللي خلات لنا هذا عظم الجيفة، حتى حرنا فيهم اليوم! قال لي: تبان لي قاري شوية؟! قلت له: شوية مش بزاف: عندي زوج دكتورات! لم يفهم شيئا (ولا أنا!)..قال لي: كي جيت قاري وتحب الكباش القاريين، هاك من عندي هذا نتاع زوج ونصف اديه بزوج والله يربًح! تعيد بالصحة!
جررته من أذنه مثل القط وهو يموء من خلفي. ولما لم أجد سيارة تحمله وتحملني، حملته على كتفي وجئت به ماشيا، على طول مسافة تتجاوز 10 كلم! كان بإمكاني أن أضعه في جيبي لو لم أكن ألبس "دجين"!
عندما أدخلته، زوجتي زغردت: يويويو..الحمد لله اليوم عاد تفكر وشرالي "بونجا" باش نغسل البوطاجي؟ قلت لها: كبش مش بونجا يا وجه "طورتي نينجا"! وضعت سبابتها على فمها متحسرة وبلعت فمها! كذلك فعل الجميع لما  رأوا الزبد يخرج من فمي والشرار يتقد من عيوني.
خرجت وتركته في المطبخ مربوطا، وعندما عدت وجدته يلعب مع القطة. ولما سألت زوجني أين سينام، قالت لي: ما كانش لبلاص: دير له "ليكوش" ورقده في المهد نتاع حميدة في بيت النعاس.
عندما أفقت من نومي، كنت لا أزال أضرب الحساب في الحساب عن العقاب الذي ينتظرني بعد أيام قليلة حين تقبل عاشوراء وعلي أن أذبح العقيقة لولد أتمنى ألا يكون عاقا ولا معاقا.
سبتمبر 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home