Saturday, December 12, 2015

20 غش (ت)






20 غش (ت)

الأحداث التاريخية عندنا، خاصة تلك المتعلقة بالثورة التحريرية وذاكرتها، فقدت ذاكرتها لدى ذكراننا من شباب إناثنا فقدت لدى شباب إناثنا من ذكورنا، حتى أنه لم يعد أحد يذكر ـ ذكرا كان أم أنثى ـ كثيرا مما كان يذكر من ذكريات تاريخنا القريب الذي هو تاريخ الثورة والمقاومة. السبب، هو أن الشابة أو الشاب، الذي شاب وعاب، شاب شعره ولم يعرف من موز الاستقلال إلا قشوره! فالاستقلال على ما قدمه لنا كلنا من مزايا لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، بدا ناقصا لدى الكثير ممن لا يزالون يعانون التهميش والظلم والفقر والبطالة والتمييز، في مجتمع ينمو ديمغرافيا كل يوم ويتطور ماديا وتقنيا كل ساعة، لكن مع شعور بالغربة الداخلية وكأنما هذا التطور إنما هو تطور شكلي سطحي فوضوي، ولفائدة أقلية ممن استفادوا أكثر من ريع الاستقلال والنفط. شباب لم يعودوا يؤمنون كثيرا بالشعارات التي كنا نحملها إلى وقت قريب حول الثورة و"فرنسا بنت الكلب"! حتى أن فرنسا صارت لهم اليوم ليست بنت الكلب وإنما نحن هم أبناء القط! صارت فرنسا نموذجا يحتدى به، ومهربا وملاذا وملجآ، وكأنه لا أحد فيهم لم يمت له أب أو عم أو جد أو وأحدا أو عشرة من أقاربه أو لم يفقد عمته ولا خالته ولا يمات يماه،  بنيران الظلم الاستعماري أو تحت التعذيب أو بالفقر أو بالوباء والمرض! نسينا معاناة 132 سنة في ظرف 50 سنة فقط ، بل أقل من 30 سنة! جيل بكامله ولد بعد الاستقلال لا يعرف اليوم طعم الاستعمار! جيل فقد الذاكرة!
مناسباتنا الثورية والوطنية، بالتالي أصبحت لا تعني عندهم شيئا. حتى ذكرى الاستقلال التي حولتها السلطة السياسية في منتصف الثمانينات إلى ذكرى مزدوجة "الاستقلال والشباب"، بدت وكأنما أرادوا أن يلصقوا الجيل الثاني من الاستقلال بالثورة بالسيف عليه!
واليوم، تأتي ذكرى 20 أوت المزدوجة 1955، و1956! وهما مناسبتان لا يجب لأي عاقل جزائري أو مغاربي أو عربي أو مسلم أن ينساهما: نفي ملك المغرب رحمه الله محمد الخامس إلى مدغشقر من طرف السلطات الاستعمارية وتنصيب "الجلاوي"عميلا لها وخليفة للملك! لم يقبله أحد من المغاربة، فقامت المظاهرات وعانت فرنسا من انتفاضة الشعب المغربي الشقيق رفضا لهذا النفي في حق ملك لم يقبل سوى بالاستقلال. وكان الثمن عودته فيما بعد واستقلال المغرب لاحقا. الجزائر المتضامنة مع المغرب، والمغرب المتضامن مع الجزائر أيام محمد الخامس رحمه له ـ هذا الملك العظيم الوطني الإنساني الذي لا يجب لأحد أن ينساه لا مغربيا ولا جزائريا ـ كان واقع حال! لهذا، فمؤتمر الثورة الأول عقد بمناسبة مرور سنة على نفي محمد الخامس في 20 أوت 1955. فكان إذن مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956. كان هذا عنوانا رمزيا لاتحاد الشعوب، لا تفرقة الحكام اليوم! الشعوب كلها متحابة ومتعاونة، الحكام اليوم هم من يفرضون على الشعوب من يجب أن نحبهم ومن يجب أن نقاطعهم ومن لا يجب أن نكرهم ومن لا يجب أن نزدريهم ونحتقرهم! أوصياؤنا السياسيون اليوم هم من يملون علينا من خلال سياسياتهم غير السياسية كيف نتصرف مع الجيران أو الأشقاء! إنهم مثل الأولياء المتغطرسين الذي يشبعون أبناءهم قرصا وعرضا وقمشا وهدرا ووعظا وتخويفا وتهديدا ووعيدا إذا ما لمسوا أن أبناءهم يتقربون من أبناء هذا الجار "العدو" لهم، (وهم عمهم، أو خالهم، أي قريب عضوي لهم!). هكذا، يتصرفون معنا وكأننا أطفال وهم أولياء أمورنا الأوصياء على سلوكات أطفالهم القصر!
يأتي الكلام فقط في السياق، لأن الأمثلة كثيرة ومعروفة، حتى أن الجميع يعرف أن يوم 5 جويلية، لم يعد مثلا سوى يوما لرفع البلديات الرايات على بعض المؤسسات وتعليقها في الشوارع، وقيام رئيس الدولة بعمل رمزي كزيارة المقبرة العالية أو تقليد الضباط أوسمة عالية! حتى المسئولين السياسيين لم يعودوا يأبهون بهذه الأحداث لعدم "شعبيتها" (أو الأصح، لعدم شعبيتهم..هم!). فصاروا ينفرون ويزهدون في الاحتفال بهذه المناسبات ويتركونها رمزيا فقط لأنهم يعرفون أنهم لا يقومون بها إلا ديكورا وتأثيثا للمشهد السياسي الخامد. حتى 1 نوفمبر لم يعد عنوانا لشيء سوى لإطلاق عيارات نارية عند منتصف الليل أو في أقصى الحالات إطلاق لعب نارية! صارت الثورة عنوانا للعب، كما صارت الثورة لدى الشباب عنوانا للثروة لدى الشياب!
وجدت نفسي، والموعد هو ذكرى 20 أوت، أجوب الشوارع كصحافي لقناة وطنية أحضر برنامجا حول الشباب والثورة: أيها المشاهدون الكرام، أنتم تلاحظون بأم أرجلكم وتسمعون بأعينكم  كيف أن الشباب الجزائري لا يزال متمسكا بقيمه الوطنية التي ناضل من أجلها الآباء والأجداد والفراعنة الشداد، وهذا أول شاب يجيبنا على سؤالنا الموجه للجميع: ماذا تمثل لك أيها الشاب مناسبة 20 أوت؟.. أنت طالب جامعي أليس كذلك؟.. نعم أنا طالب، 20 أوت هو اسم ملعب كرة القدم!(آآآيممما!).. ومعنا الشاب الثاني، أنت شاب ما هو عملك؟.. ما نخدمش، حيطيست...! طيب..ماذا تمثل لك مناسبة 20 أوت؟.. آآه.. 20 أوت؟ النهار اللي غلبت فيه البارصا الريال بكاط أزيرو!(آآآجده!)..نترك الشاب ونذهب للشابة يمينة.. اليس هو اسمك؟ نعم..! أنت بماذا تذكرك ذكرى 20 أوت؟ ..ياااه؟...تعرفوا "سي لأنيفغسيغ نتاعي"!. شكون قال لكم؟ أنا مولودة في 20 أوت!.. لكن ماذا تمثل لك هذه المناسبة من غير عيد ميلادك؟ ..ما فهمتكش واش تحب تقول أهدر معايا "أونفغونصي"!! قلت لك ماذا تمثل لك مناسبة 20 أوت؟.. vin أوت؟..مش هو النهار اللي مات فيه بغيسلي؟ لا لا...النهار اللي خرج فيها الشاب برطال الأغنية التالية نتاعه "ينعل جد أمك كي دايرة!"..صافي راني شفيت!!(آآآآربي!)
بقيت يوما كاملا أجوب الشوارع على الكوارع، بحثا عن إجابة صحيحة، رغم أنه كانت هناك جائزة بمقدار 100 مليون! لا أحد أجابني.. ولم أتمكن من تقديم البرنامج للتلفزيون مما جعل إدارة البرمجة تبرمج فيلما وطنيا عن يوم المجاهد...لكن حتى هذا لم يحصل!
المصيبة، أن مقدمة الحصة، لم تجد ما تقول علىالميابشر عندما ارتج عليها المر واختلط! دائرة البرمجة أقدمت في آخر لحظة على تغيير "طفيف" في البرنامج!. فقد كان من المفروض أن يقدم فيلم ثوري، لكن الشريط كان فاسدا، فاضطر المخرج ليقول لها في السماعة بأن تقدم فيلما من نوع الويسترن! فقال متلعثمة:
والآن أيها المشاهدون الكرام، وبمناسبة يوم المجاهد وذكرى 20 أوت المجيدة.. نقدم إليكم فيلم...كوبوي!
وأفيق وأنا أبكي من الضحك!
أوت 2015

0 Comments:

Post a Comment

<< Home