Monday, June 24, 2013

ظهر الفساد..




ظهر الفساد..

تعرض البلاد المتكرر للعديد من الكوارث الطبيعة، من بينها الفيضانات والزلازل، لم يعد يوجد اليوم ما يبرر فكرة "عدم الاستعداد لها مسبقا"، ذلك أن تكرار الشيء، يتطلب الاستعداد المتكرر له. كل الدراسات العلمية من الوجود الفرنسي، تقول بأن منطقة الساحل معرضة لسلسلة من الزلازل من شأنها أن تضر بكثير من المدن والمناطق الساحلية. لكن هذا ليس قدرا محتوما، فالقدر، يحارب بالقدر نفسه على رأي سيدنا عمر بن الخطاب، ولا يمكن الاتكال على العناية الإلهية وحدها، فالتوكل واجب، والاتكال مرفوض (أعقلها وتوكل على الله. الحديث. "فإذا عزمت فتوكل على الله" ألآية).
المسألة لا تتوقف عند مرحلة سن القوانين والمراسيم وإرسال التعليمات، بل المسألة كلها في المراقبة والمتابعة والتطبيقية الميدانية لنص القانون أو المرسوم أو التعليمة. فالقوانين التي تسن لبناء سكنات مضادة للزلازل، لا تكفي إذا ما تعاون الفساد المالي والتقني والغش وفي الأسمنت وفي الحديد، استيرادا واستعمالا، مع مافيا العقار. كما أن بناء الجسور لا تشفع للفيضانات إذا ما حدث وأن تمر مر الكرام تحت الجسر، بل تجرف معها ما فوق ما تحت الجسر، والسبب هو طريقة بناء الجسر أو السد والذي لم تحترم فيه تقنيا المقاييس ولم تحترم فيها خاصة أثناء التجسيد مقاسات البناء. وقد لاحظنا ذلك خلال الأيام والأشهر الأخيرة في كثير من الجسور الجديدة التي هوت مع أول زخة مطر ربيعية. لا نريد تحميل الطقس والمناخ كوارث الناس، فالناس هم كوارث الناس، لا نريد العودة لمأساة باب الواد أو بشار أو غرداية، حيث الخطأ البشري هو السبب، لكن ما يحدث كل يوم يؤكد أن أخطاءنا متواصلة، دون أن يكون لأحد منا الجرأة على تحميل نفسه المسؤولية عوض تحمليها لغيره. وهذه خاصية بنا نحن معشر الجزائريين (في الواقع أنها خاصية عامة توجد لدى الأقوام العاجزة، التي عند العجز، تلجأ إلى التبرير بما لا يبرر. فعدم الاعتراف بالخطأ، يرجع ربما لكوننا سليلي مجاهدين حقيقيين، يرفضون الاعتراف حتى تحت التعذيب....هئهئهئ. أتذكر هنا حادثة حدث فعلا لزميل راح يصفها لي: قال لي: سائق جنرال متقاعد حاليا، كان قد ركن سيارته على الرصيف، وعندما جاء ليقلع السيارة، أراد العودة إلى الخلف، لكنه ضغط على البنزين أكثر مما كان ينبغي، ولم ير أن خلفه كان ينتصب عمود هاتف خشبي، فوجد نفسه يصدم العمود من الخلف. ماذا سيكون رد فعل السائق "الشاوي جدا"؟ سوى أن لعن أب جد العمود وراح يصرخ: شكون اللي دار هذا البوطو هنا؟.. يلعن أبوه أيضا.).
هكذا نحن، نرفض أن نحمل المسؤولية لأنفسنا، لهذا ترانا جميعا نشتكي من الآخرين: من أبسط مواطن إلى أعلى رأس الهرم في السلطة السياسية وفي هرم الرفاهية والثراء. الكل يحمل المسؤولية للأخر، دون أن يرى بأنه هو نفسه جزء من المشكلة، فيحمله نفسه جزء ولو يسيرا من المسؤولية.
كل المؤشرات، تبدو أحيانا لدى الإنسان العادي، بأن هذا الوضع أو ذاك، سيؤدي حتما إلى نهاية وخيمة، لكن لا أحد يتحرك قبل أن يقع الفأس في الرأس. نرى حفرا كل يوم تملأ وتقطع الطرقات والأرصفة أحيانا، لكن لا أحد ينتبه (من المسئولين المحليين في البلدية مثلا)، أن هذه الحفرةـ ستؤدي حتما إلى حادث إن لم نسارع إلى غلقها فورا. ومع ذلك ننتظر إلى غاية وقوع المكروه، لنقول "الله غالب". نفس الشيء يقال عن الفيضانات التي تحدث مع كل قطرة مطر، ونفس الشيء مع موجة الحرارة التي تضرب البلاد كل صيف مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي وبالتالي الاحتراق في أفران تسمى بيوتا، خاصة في الجنوب حيث لا يمكن العيش داخل البيوت بدون مكيفات. مع ذلك، وككل سنة، ندعي أن هذه السنة، لن ينقطع التيار الكهربائي، وكل مرة ينقطع وبخسائر أكبر. هناك مشكل سوء تقدير، وهروب للأمام وجري وراء الأولويات الحكومية التي عادة ما تكون غير أولويات عند الشعب. فكل شيء عندنا أولويات، مما يجعل مسؤولينا دائما وأبدا، يبدؤون بأولوية الأولويات لديهم، كأن يتعطل كل شيء مع اقتراب الانتخابات (والحمد لله عندنا انتخابات واستفتاءات كل سنة.. وما أدارك ما انتخابات..)، أو مع زيارة الرئيس (الحمد لله، صارت نادرة هذه السنوات الأخيرة، لأن الزيارات بقدر ما كانت تعود بالمنفعة على بعض المقاولين السريعي الإنجاز وسريعي التهام الميزانية بربع التكلفة، كانت تعود بالوبال على العامة، لأن ذلك كان يعطل مصالحهم وحتى حركة مرورهم التي لا يمكن أن نعتبرها سلسة حتى في الأوقات العادية. المشاريع توزع كيفما اتفق وتلتهم ميزانية الدولة والشعب، المهم هو تمرير العرس والحفل، وبعد ذلك فليفعل الله ما يشاء. حتى أننا شاهدنا أناسا يصبغون جذوع الأشجار مع اقتراب زيارة رئاسية، تحت المطر، وما كان يصبغ قبل ساعة كان يذهب سيولا بيضاء بعد ربع ساعة.لا أريد الخوض في الفساد، وفي طرق منح المقاولين هذه الأسواق السريع الامتصاص للمال، وطريقة التحايل على المشاريع،كأن يشتري المقاول قنطار "شب"، ليضيفها للجير الأبيض لكي تبدو كصبغ زيتية التي وقع على استعمالها .. إلخ من الأساليب الملتوية: وهذا ما يفسر سقوط جسور حديثة الصنع ومساكن وعمارات، مهددة بالسقوط في المستقبل للقريب، كونها أنجزت مغشوشة من البداية. المسؤولون والشعب والحكومة والإدارة، كلهم يعرفون هذا، ولكن كل هذا لا يزال وصفة لكل الصفقات المبرمة، من الطرق السريع إلى سوناطراك إلى منجم الذهب الذي ذهب، إلى تحلية المياه، إلى المشاريع السكنية والسياحية ومشاريع التجارة والاستيراد والتصدير ..إلى الباك إلى التعليم العالي، إلى الصحة المريضة والمستشفيات "اللي راها تشف"..ولا حول ولا قوة إلا بالله.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home