Friday, February 22, 2013

رحلة وطنية على الخطوط الأجنبية



رحلة وطنية على الخطوط الأجنبية

وجدت نفسي، أخيرا أفوز بفيزا لفرنسا، بعدما دفعت: 6 آلاف دينار لأجل خدمات الفيزا، و400 دينار مكالمة هاتفية لحجز موعد بالقنصلية، و1000 دينار، فقط لغلاف بريدي لدى شركة تتاجر بالفيزات وترد لك الباسبور، وأنت من تذهب لتستلمه من مقرها الذي لا يبعد إلا بـ50 متر عن القنصلية!). في السابق، كنت أدفع كل 6 أشهر طلب فيزا وكل 6 أشهر يأكلون لي 6 آلاف دينار وألف دينار للغلاف و350 دينار لهاتف الحجز..أنزعها من أفواه أبنائي كما ينتزع الشدق من فم الكلب.
فرحت بأول فوز لي بالفيزا، وبأول زيارة لي لهذا البلد منذ أن خرجت هذه الأخيرة من عندنا في 5 جويلية 1962 ولم تعد! (....لأنها باقية رغم خروجها!... ونحن هم من خرج.. مع أننا نبدو باقين!).
كنت بين السندان والمطرقة/ بين فكي رحى! أرغب في "الحرقة"، خروجا بدون عودة، وأرغب في نفس الوقت بأن أحرق هذه الفيزا ومن تبعها ومن تصدق بها علي! كنت كالمهبول: لا يعرف ماذا يفعل! هل يفرح بالفيزا وبفرنسا التي هو مسافر إليها وهي التي دمرته وآباءه وأجداه صغيرا، أم يبكي ويمزق جواز سفره عند الخروج من مطار باريس!
حتى الطائرة التي أخذتها، كانت الخطوط الفرنسية! لم أكن أرغب في امتطاء اسم فيه "ريحة البلاد والعباد"!.
 بدأت منذ نزولي بالمطار الدولي بالعاصمة بتغيير لغتي! نسيت الفرنسية عند نزولي من الطاكسي! قررت أن أنسى أني جزائري، كما قررت أني لن أكون فرنسيا!
لا أخفي عليكم أن مؤشر بورصة عقلي بدا في التذبذب صعودا وهبوطا منذ أن بدأت إجراءات السفر والركوب.
فقد بقيت واقفا وظهري يؤلمني رغم الحزام الطبي ذي النطاقين الذي كنت أتمنطق به. أضف إلى ذلك التفتيش المزدوج عند وبعد وقبل ولما وحين وقبيل وبعيد ..كل عملية. حتى الباقاج عندنا يعاد التعرف عليه عند النزول من الحافة لامتطاء الطائرة: إجراء أمني لا يوجد أكثر منه تخلفا في العالم، إلا عندنا! ثم تفتش جسديا وحمولة قبيل الطلوع مع أنك قد مررت بعشرة باراجات تفتيش وإعادة التفتيش!
حين أقلعت بنا الطائرة، كنت في غاية النرفزة من فرنسا والجزائر معا! هم من تسببوا لنا في هذه التفتيش ونحن من دفعناهم لكي يفرضوا علينا هذا الإجراء الأمني المخل بالحياء! المذل الكاشف الساتر ..الله يحفظ ويستر.
لهذا قررت أن أنتقم: وكانت إحدى المضيفات هي الضحية الأولى: من أجل كوب ماء، أعدتها 3 مرات بدعوى أنه ليس هذا ما طلبت: جاءت بماء سعيدة فقلت لها: مش هذا هو الماء الذي أشربه في البيت! (فاعتقدت أني لا أشرب إلا "إيفري" فجاءت به فقلت له: ليس هذا! فجاءت بماء معدني فرنسي، فقلت لها .. ولا هذا.. فجاءت بكل أنواع المياه فاخترت أن أشرب عصيرا مدعيا بأن لا يوجد هنا ماء عندكم صالح للشرب (أصلي، صحيح، متعود تاريخيا لا اشرب إلا الماء المالح للشرب!). بعدها، جاء دور مضيف آخر، ركلته وهو يمر متظاهرا أني لم أره، فصرخ على أمه حتى سمعته من علو 12 ألف متر! ولم أعتذر. لست أنا! "سيبا موا"! ثم بعد ذلك جاء نائب القبطان مارا وهو يبتسم في وجوه الناس (إلا في وجهي! أو هكذا بدا لي!)، فضربت له "كوش pied" فجبته مرميا على عجوز فرنسية كانت تشرب عصير برتقال وتأكل ما تبقى من فطور الصباح على متن الرحلة، فزوق لها وما عليها وما وفقها..ما تحتها! حتى صارت، على بياض ثوبها، أشبه بمشحم السيارات النفعية التي لا ينفع معها تصليح!.. ولم أعتذر. وأخيرا، وما إن سمعت المضيفة تطلب من الواقفين أن يعدلوا مقاعدهم ويربطوا أحزمتهم استعدادا لهبوط، حتى فتحت حزامي ووقفت ورحت أقطع الممر من الخلف نحو الأمام، غير آبه بتعليمات المضيفات ولا القبطان! قلت لهم: الفيسي.. الفيسي...باغييني نطرطق هنا؟!. ودخلت المرحاض (بلعاني)، الذي لا يدخله إلا طاقم الرحلة من مضيفات وربابنة وأغلقت الباب والطائرة على علو ألفي متر: قلت لهم: والله لأفرغن بطني اليوم على رؤوسكم.. ولا أعتذر. هكذا لتعلم فرنسا أن ما فعلته بنا لن يذهب هباء منثورا.
عندما أفقت في تلك اللحظ (وليت من أيقظني جاء قبل ذلك ولو بقليل)، كانت الأمور قد "تطفرت": وكان علي ـ لا قدر الله ـ أن أنهض بكل القاذورات الممكنة، مباشرة إلى الحمام..

0 Comments:

Post a Comment

<< Home