Tuesday, February 12, 2013

تقشفوا فإني كاشفكم!



تقشفوا فإني كاشفكم!

لم أسمع يوما عن تقشف بدأ من ثراء، ولم أسمع عن ثراء لم يبدأ من تقشف. كما أني لم أسمع بتقشف، يتكشف على البسطاء ويتفرشك فيه الكبار...إلا عندنا في العالم الثالث. السبب؟.. أهل "الفكة" أدرى بشعابها!
قلت في نفسي: التقشف؟.. ولم لا؟.. هذه المسألة ينبغي أن تكون سياسية دائمة وليس قرارات مرحلية واستثنائية ظرفية. كما أن التقشف، لا بد أن يكون عملية هرمية، تبدأ من فوق وتأتي نازلة إلى تحت، وليس العكس! فالكبار هم من يعطون المثال والقدوة، لا من يطالبون بالزيادات في المرتبات وكأنهم أساسا يعملون شيئا! (ما كانش حكومة عندنا، ومع ذلك، الأمور تسير!..دعوها..إنها مأمورة!). فلماذا نوقف مشاريع تبليط الشوارع لهذا السبب؟..وهل فقط التبليط هو من يتسبب في تبذير المال العام؟.. أوليس المال العام مال الشعب ككل؟.. اللهم إلا إذا اعتبرنا الشعب رعية أو أن الشعب أهل ذمة يدفعون الجزية!، وأخذ الجزية يصاحبه إرغامهم على التقشف لترك المال للأسياد، هذا هو التقشف المكشوف. هل لأن تبليط الشوارع "المزفتة" كالزفت!..التي تتسبب في عشرات ومئات الحوادث بسبب الحفر و"الزفت" اللي ماكانش..التي ترغم السيارات على التهرب وتفادي الحفر بالاتجاه نحو الأرصفة، وهروب الراجلين من الأرصفة نحو الشوارع لأن الأرصفة أدهى وأمر من الطرقات!؟..هل لأن الشعب الراجل والراكب في سيارته إن كانت له سيارة أو في حافلته إن وجد كرسيا شاغرا وسائقا لبقا وروسوفور "كووول" الذي لا يوجد! هل لأان العامة هم المستفيد الأول من الطرقات المبلطة والأرصفة المرصوفة، فنبدأ بالتقشف في ما يذهب لصالح العامة، ولا نبدأ بما يذهب للخاصة؟..
أمر مضحك ومبكي أحيانا، عندما نسمع ونرى على الفضائيات العربية مثلا، ملايير الملايير التي تصرف على إشهار تافه، غير لطيف وكله أغاني تافهة (لا أريد أن أتحدث عن الإشهار في قناتها، لأني ساعتها سأقول "أرا..أرا..")، ونصرف ملايير الملايير في الطرب الذي "يضرب" (المخ) أكثر ما يطرب، والمهرجانات و"الفيستي ـ فالات" و"الأشابيع" الثقافية التي لم نشبع منها، والسنوات الاحتفالية والسينما بلا سينما والجهاد بلا مجاهدين..والثقافة بدون مثقفين.. والفن.. بدون فنانين..والملايين من الملايير..وفي هذا الوقت، |نطلب" ونتسول في المساجد كل 15 يوم " يا عباد الله، هذه رخصة الوالي الفلاني تسمح لنا اليوم بجمع الأموال لبناء المسجد الفلاني في البلدية أو القرية الفلانية".(ولا يسمح قانون الولاية والداخلية بجمع الأموال (التسول يعني) إلا لبماء مساجد مرخصة أو لصندوق الزكاة، لا لسبيل الله ولا لعابر سبيل، كل هذا خوفا من أن تذهب هذه الأموال للإرهاب!. في هذا الوقت أيضا، قنوات عربية لا تفتأ تقسم برامجها (مسلسلات عادة) وتفتتها في شكل "ومضات" إشهارية، بل "مسلسلات إشهارية" تدوم كل "ومضة" 15 دقيقة، فيما لا يبث بين الومضة والومضة سوى 6 إلى 8 دقائق من المسلسل ثم يقطع لربع ساعة أخرى للإشهار.. وهكذا، إلى أن يمر على حلقة من مسلسل من فئة 52 دقيقة، ساعتان كاملتان! حتى أنك لا تعرف ولا تتذكر ماذا كنت تشاهد لطول زمن الإشهار وكثرته، وتخصصه في "التسول" لهذا المشروع الخيري العلمي، الصحي، العمراني ..إلخ.
صار التسول في الإعلام العربي (المصري خاصة)، مؤفلما وممسرحا، حتى أنك في إحدى القنوات المصرية، تكاد تقول أنها قناة التسول الإشهاري: لا لغة غير لغة "تبرع" وأعط من مالك، وجزاك الله خيرا، وتصدق، وأحسن وأعط، وزكي، وخذ من مالك، وساهم. دعوات جميلة وخيرية، لكن بالمقابل، عشرات الومضات الإشهارية بالملايير من الجنيهات تصرف بين الومضة التسولية والومضة الثانية للترويج لمشروبات عالمية يعرفها الجميع بدون رواج..أو لمواد تافهة لا تزيد إلا مرضا وسكرا وضغط دم..وكأنها تطلب منك أن تستهلك أكثر لتدخل المستشفى ذاته هذا الذي يجمعون له في الإشهار السابق لإجراء عمليات جراحية للمرضى بالمجان. يعرضون عليك المرض بفلوس، ويقترحون عليك أن تعالج ببلاش! عملية عبثية، لا وجود لها في أنظمة مثل أنظمتنا لا منطق فيها ولا عقل..
الحاصل، دعوني أذهب لأرتاح..كرهت من الصياح!  

0 Comments:

Post a Comment

<< Home