Tuesday, February 12, 2013

لغة ملغمة



لغة ملغمة

لا أحد يستطيع أن يقنعني اليوم أن البلاد بخير أو أنها تتعافى من خير إلى خير منذ أن رحل العربي بلخير!. فقد قرأت الحلقات الأولى لمذكرات الرئيس الشاذلي وفهمت ما كنت أفهمه ولا أعرفه. فهمت أن المصالح كانت وراءت الاختفاء وراء اشتراكية بومدين، رجال لا يؤمنون بها وإذا آمنوا بها لا يطبقونها وإذا طبقوها، "يكفسون لها جد والديها"، حتى تبقى الأمور بين أيديهم دوما. كما فهمت أن اليسار الانتهازي، كان ولا يزال يكسر من عزائم الأمة التي لا تزال تتململ في مهدها بحثا عن هويتها. فلقد أوصلونا إلى أن نضيع معرفة أنفسنا بأنفسنا عن أنفسنا. لم نعد نعرف أنفسنا من نحن من كثرة ما أفهمونا أننا نحن لسنا نحن، وأنهم هم ليسوا هم وأنهم هم، نحن،  ونحن هم .. هم!!.. فلم نفهم من هم هؤلاء الذين هم ..هم..!..ولم نفهم من نكون نحن منهم,,!حتى صرنا نتقاتل عل الهوية الدينية والعرقية والهوية والجهوية واللغوية باسم الإيديولوجيا أحيانا وباسم الدين والوطنية وتارة أخرى، كل ما في الأمر أننا نعيش حالة وعي بذاتنا لم نبلغه بعد ولم نصل بعد إلى فهم أنفسنا من نحن. فنحن نعيش حالة إنكار وتنكير ونكران لذواتنا.
لهذه الأسباب، قررت ألا أتحدث من الآن فصاعدا بهذه اللغة التي علمونا أن نتحدث بها، أي لغة المقالب! اللغة المقلوبة التي إن قلبتها قد تعني لك شيئا آخر، لكن إن تركتها هكذا مقلوبة، فأنت تساهم في انقلاب اللغة والثقافة والبلاد والعباد، ضد نفسك وضد وطنك وبلدك ودينك ولغتك وانتماءك الحضاري.
عرفت أن اللغة المكتسبة، هي تلقين أعوج، مقلوب في رحم الأم، وعلي اليوم أن أقلب المقلوب، لأرده إلى وضعه الصحيح.
أخذت هذه الفلسفة الاجتماعية في من فلسفة هيغل، عندما بنى الفكر على الوضع الصحيح: الرأس في الأعلى والقدمان في الأسفل.. وجعل بذلك الفكر والفلسفة الاجتماعية تمشي واقفة مفهومة محددة المعالم غير مشوهة ولا عرجاء ولا محدودبة. لكن جاء كارل ماركس ونادى بضرورة قلب الفلسفة الهيغلية في الوضع المعاكس، باعتبارها فلسفة مقلوبة رأسا على عقب!. أي جعل وضعية الرأس إلى الأسفل والقدمان إلى الأعلى، فصارت الفلسفة الاجتماعية عندها مقلوبة، بعدما كان هو من يرى ذلك في الفلسفة السابقة على عهد هيغل وباقي الفلاسفة المثاليين كما كانوا يسمون.
وضعت قاموسا لغويا ومفاهيميا وسيميولجيا، لغة مشفرة أتعامل بها مع من يعرفون هذا القاموس من عائلتي وأصدقائي وصار الأمر يتوسع إلى أصدقاء افتراضيين على الفيس ـ بوك. وسارت الأمور على نحو مثالي، فقد صرنا نفهم بعضنا أكثر من ذي قبل، واللغة هذه الحيدة، بأدواتها ومفاهيمها ودلالاتها، صارت أكثر توصيلا وتفاهمية مما سبق. غير أني أفرطت في استعمال هذه اللغة، حتى كدت أنسى اللغة العامة التقليدية التي لقنت لنا في المدارس، ووجدت نفسي مرة..! أقول ـ آخر مرة ـ بجوار ثكنة درك كانت في حالة استنفار إثر إنذار بهروب عناصر إجرامية وإرهابية من السجن المركزي، ووجدت نفسي عند هذه النقطة أتلقى مكالمة من ابني يسألني فيها عن مسائل داخلية بعدما سافرت أمه ولم تترك له ما يأكل وأنا أيضا: قلت له في الهاتف الذي كنت أخفيه وأهتف من تحت معطفي الكاكي الخشن خوفا من زخات المطر محتميا بجدار الثكنة التي كانت الحراسة فوقها وتحتها وبين جدرانها لا تكف عن الحركة: قلت له: أسمع، راني قريب ننفذ العملية عن بعد، راه عندك المودباص، دخل للسيت، وكليكي على الزناد. قبل هذا، تأكد بللي حتى واحد ما شافك. الشاحنة راها تسنى فيك برة. هي خف، من بعد راني نكون عندك."
في هذا الوقت، كنت بين أيديهم! بين أيدي الدرك وقد لووا ذراعي ولكنهم عاملوني معاملة حسنة. بضع ركلات ولكمات فقط، أفقدتني وعيي! ووجدت نفسي في مركز تحقيق أقدم أسئلة بدل إجابات! فأنا من كان يبحث عن الإجابة أكثر من غيري. أوجدت تهمة "الإرهاب" جاهزة، ومصيري معلق بين هاتف ورقم وتفسير غامض لمدونة لغوية لم يفهمها أحد. قلت لهم أني كنت بصدد التحدث مع ابني الذي لم يجد ما يأكل فاتصل بي مستفسرا فقلت له بأني سأنفذ العملية قريبا، أي أني "قريب من البيت لشراء الدجاجة المشوية التي يحبها"،( والتي سمعوها على هذا النحو" راني قريب ننفذ العملية عن بعد")، وأنه عندك المفتاح (مودباص) وادخل للسيت (المطبخ)، وحل الكونجيلاتير (كليكي على الزناد)، وتأكد بأنك لم تترك الكنجيلاتير مفتوحا..( لأن باب كان لا يغلق بشكل جيد، مما يجعله يتثلج أكثر من سيبريا)، سوف تجد الحريرة مجمدة أتركها تسخن في الخارج.(في الأصل: الشاحنة راها تستنى فيك برة).
حين فهموا هذا "المورس" الملغم، وأفهموني أنهم "ما يحبوش يفهموش" هذا اللغة، وما يحبوش يزيدوا يسمعوها، قررت أن أعود إلى قواعد اللغة لأكون مثلي مثل الآخرين الذين علمنا منطق الطير منذ نعومة أظافرنا وعلمنا كيف نتكلم ومثل ما يراد لنا أن نتكلم.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home