Thursday, March 01, 2018

منشورات الغسيل



من شدة زخم التحولات وأرق وضغط الورق والطباعة والسحب، وحتى لا أنسحب من المجال، انتابتني فكرة تغيير المهنة أو تعاطي مهنة جديدة قريبة "بعد" الشيء عن مجالي الحيوي! هذه المرة، قال لي رأسي الذي بدأ لا يفكر إلا عن طريق "باطري البطن" من جراء الغلاء و"التقرقيج" اليومي، وبدأت اشعر بأني شرعت في فقدان توازني العقلي!: لماذا لا تنشئ دار نشر؟!..أي لماذا لا تصبح ناشرا؟!..ذلك أنني كثيرا ما كانت تستهويني فكرة نشر الكتب والمجلات، لأني كنت أحب الورق! وكثيرا ما كنت أستعمل الأوراق في تفصيل طائرات وبواخر وأساطيل منها! كما كان يعجبني ما يكتب في المجلات وما تنشر من غسيل سياسي وثقافي.
لكن هذه المرة، لست أدري كيف نقلت اهتمامي من نشر الأوراق إلى نشر الغسيل! ربما لأن كثيرا من الكتب الأدبية والمجلات، خاصة تلك الرقمية منها مضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، الغرض منها هو نشر أخبار وغسيل الناس على الناس!
قال لي رأسي: لماذا لا تستخدم الغسالة "مطبعة" ومن جيوب الصابون والجافيل فيها مخادع للحبر والتلوين ثم تطبع ما تشاء عليها باستعمال الأقمشة البيضاء والملونة!
هكذا بدأت بتطبيق الفكرة وأنا وحدي في البيت! كلهم كانوا قد خرجوا: كل وشأنه! ولم أبق إلا أنا وحدي في البيت! مما جعلني أغتنم هذه الفرصة لكي أجرب مهنة الناشر المحترف، فقد أصبح رئيس جمعية الناشرين بعد أن حاولت مرة تجريب الكتابة والانتماء لاتحاد الكتاب الجزائريين. فصرت أكتب "الحروز" التي تعلمتها من كتب الطب والحكمة أو ما تسمى "اليقشة"، والتي غالبا ما تقع ضمن أعمال السحر، بعناوين أخرى!: صرت كاتبا ومؤلفا باعتباري أكتب الحروز، بـ10 ألاف دينار وللمغتربين بـ 300 أورو! كاتب محترف!
هذه المرة، أريد تجريب مهنة النشر والتوزيع ولم لا!؟ موزع الكتب يأخذ ثلث سعر الكتاب، فلماذا لا أكون ناشرا وموزعا أيضا!
لست أدري ماذا أصابني بعدها، نسيت ما كنت أفعل وشرعت في إدخال الغسيل الوسخ في الغسالة التي حشوتها بمختلف أنواع الحبر والألوان وبعد ساعة كنت أنشر! على السلك! كل المؤلفات!: جوارب، قمصان، تنورات نسائية ألبسة داخلية، خارجية، جلابيب، عباءات..تريكويات! سراويل، عمامة جدي البيضاء (تحولت إلى لوحة سريالية!)..كل ما كان ينتظر الغسيل وكل ما كان في الدولاب مغسولا وكل ما كان ينتظر أن يلبس أو معلقا في البهو وجدت نفسها في قلب "المطبعة"!: عمامة جدي، طبعة جديدة، كتب عليها مثل" لافتة طويلة":كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني! شورت، مكتب عليه: كتاب العبر في المبتدأ والخبر وأخبار العرب والعجم والبربر وما عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" لأبن خلدون. عباءة زوجتي مكتوب عليه: رسالة الغفران للمعري. قميص أبيض للصلاة والترايح في رمضان وقد كتبت عليه بقلم "الفوتر" الأحمر عنوانا لم يعد مقروئا بعد أن حول القميص إلى لون وردي: رأس المال لكارل ماركس! وعناوين آخرى، لم أعد قادرا على قراءتها بعد أن تحولت هذه المنشورات إلى لوحات على الكتان والنيلون والساتين، أضيف لها لون الألبسة الصينية التي لا تبقى مع أول قطرة ماء.. وتعالى لترى بعينك المنشورات عندنا ضمن سلك الادب والثقافة كتب الجيل الرابع.
حين دخلت زوجتي ومعها "جراؤها"..ورأت المعرض المقام على الأسلاك "غير الشائكة"..شكت أني هبلت!: صرخت وصرخ أبناؤها...وراحت تبشش شعرها، فيما رحت أنا أفكر: صعب أن تكون مفكرا أو ناشرا في هذا البلد!


0 Comments:

Post a Comment

<< Home