Monday, July 04, 2016

أعداء على شرور متقابلين



 أعداء على شرور متقابلين

ما يحدث هذه السنوات الأخيرة من ترهل في العلاقات العربية عربية والعربية ـ إسلامية، وتشنج في الطباع وتمحور في الدفاع وتخندق في الانتفاع، ينم على أننا صرنا إلى تلاش قبل الانبعاث المقبل، تماما كما حدث بعد انهيار الدولة الموحدية وانقسام رقعة الشطرنج بين الأخوة الأعداء، حتى صار الغالب فيها هو من يطلب الحماية والمعونة والتدخل الصليبي ضد أبناء العمومة في الجوار: بنو حفص ضد الزيانيين وبنو زيان ضد بني مرين والكل ضد الجميع! نرى هذا على مستوى الحكومات والزعامات المزعومة للعالم العربي والإسلامي التي تتقاتل كلاما وعملا!: اقتتال بين الإخوة الأعداء: في سوريا، في مصر، في اليمن، في العراق.. ولا حول ولا قوة إلا بالله! فعندما تجمع الحكومات وتجتمع على ظلم الشعوب، وعندما تقدم الشعوب على الثورة ضد الاستبداد بالرأي والثورة والسلطة والجاه، وعندما يتحول الإرهاب الأعمى إلى جهاد، وعمدما يصير الفرد يكفر أمة بكاملها بعد أن كانت أمة بكاملها لا تقوى على تكفير فرد، تصبح البهيمية في كل مكان هي المسيطرة، ويذهب الإسلام أدراج الرياح!
نمت على هذه الأهوال التي تعصف بعالمنا العربي والإسلامي بسبب تنامي الفساد والتشبث بالسلطة وحب الوصول إليها للبقاء فيها، لأجد نفسي أحضر اجتماعا لقيادات الأركان للدول "العربية" و"الإسلامية" التي تتحارب بينها وبين بعضها أو بينها وبين شعوبها العدوة! حضرت جانبا من اجتماع "استراتيجي" لقيادات الأركان العربية الإسلامية بلباسهم العسكري ونياشينهم ورتبهم وشاراتهم وأوسمتهم، بعد أن تخلوا عن مسدساتهم وحراسهم الكثيرين جدا جدا ، خارج خيمة فطور أقيم بمناسبة صيام شهر شوال! الكل كانوا هنا: أعداء وأصدقاء! وكأن الأمر لا يعدو أن يكون تمثيلية هزلية! فلا عداوة بين القادة الأعداء، فهم على "سرر متقابلين": حوثيون شماليون ويمنيون عدنيون، جنبا إلى جنب، إخوانا على خوان! يأكلون ما لذ وطاب.. وحتى ما لم يطب بعد! سنة وشيعة في العراق، سعوديون وإيرانيون، داعشيون قياداتهم هنا على مائدة واحدة مع الأمريكان والروس الذين يحضرون حفل الإفطار وكأنهم كانوا هم الآخرون صياما متبتلين وتائبين خاشعين متذللين زاهدين! أركان جيش مصر المحارب للإخوان بدل إسرائيل، بل حتى ممثل إسرائيل كان هنا لحضور الإفطار المبارك في أرض ..مبارك الدائم! ركام أركان أسد سوريا هنا وبقية أركان الفصائل المتقاتلة والمقاتلة هي الأخرى تحضر هنا على طاولة أكل واحدة!
منظر في غاية الحيرة، رغم أني لم أكن أعرف وظيفتي ومهمتي هنا في هذا الاجتماع الغريب الكوميدي، حيث يختلط في أعيني القط مع الفأر والأسد مع الأرنب والدب مع الثعلب والفيل مع النمل والقرد مع الضربان والقنفذ مع الجرذ...والغراب مع الحمام والببغاء مع البوم وطائر أبو حنة مع العقاب والشحرور مع النسر..! اجتماع تواطؤ غريب! هذا في الوقت الذي تتقاتل فيه نفس الأطراف الجالسة هنا للأكل والشرب على جبهات عدة في عز الصيام!
تقدمت من قائد العمليات الأمريكي وهو يدشن الأكل بلا بسم الله، لقائد ميداني خليجي: علينا أن نبدأ بقصف مواقع العدو بالطيران هكذا! (وترتمي الأيادي كلها إلى الصحون لتنقض على الخرفان المشوية التي قدمت لكل آكل! فلقد كانوا 40 حراميا، و40 خروفا مشويا بينها 40 ديكا روميا ومئات أصناف المأكولات الأخرى على خوان بمساحة ملعب كرة تنس!) ويتدخل بعدها ممثل المعارضة: ونحن سنقوم بهجوم مباغت شمال شرق قواتكم المنتشرة وسندمر مواقعكم في العمق! (وتشرع المعارضة المعروضة لهذا الاجتماع في دك الأفواه بابتلاع الأرز المحشو في قلب اللحم المشوي، فيما تقوم القوات الحكومية بصد العدوان بقصف أعماق الحمام وطيور السمان بالمئات على الطاولة، وتمطرها بسوائل من حمم لذة للآكلين!). كل هذا وسط ضحكات وقهقهات وزعيق مرعد ومرعب! قائدة القوات المصرية، يسحب بساط الخوان من الأخوان ويجره إليه: الأخوان أعداؤنا في الله، هناك، إخواننا هنا..سنجتث أصول الإرهاب ونطهر مصر من دنسهم عن طريق جرهم هكذا إلى المحاكمات والاعتقالات العشوائية باسم القانون! لكن ممثل الإخوان، يعيد البساط: سنبهدل جد أمكم أمام العالم وسنأخذ ثأرنا ممن أوصل مصر إلى الكساد وهذا الحكم من الفساد...(ويسحبون السجاد تحت أرجل ممثل جيش مصر العتيد فيسقط قائدة الأركان، وتبدأ موجة الضحك والزعيق والقهقهات!)
هنا يتدخل ممثل الأخت الكبيرة الصغيرة.. إسرائيل: ما دمنا نحن هنا نتفرج عليكم ونضحك، فلا بأس أن أسقيكم أنا بنفسي من هذا الشراب الذي يطيل بقاءكم ولا يكدر عيشكم حتى ولو تكدر عيش شعوبكم: اشربوا "ماء الحياة"، فهو ليس حراما، إنه يعطيكم النشوة .. والحشوة! ويبدأ في ملء أكواب إخوتك المسلمين بما لذ ولم يطب من أنواع الخمور المعتقدة والمفتقة والمرشقة! هذا في الوقت الذي كان ممثل روسيا يوزع السجائر على الجميع: ها هي سجائر كوبا..محشوة بالمارخوانا والعفيون.. ومن أراد المزيد..فليقل "هل من مزيد"! ممثل المغرب جاء ليتدخل: الكيف والشمة علينا نحن! فهما يلطفان الجو ويسهلان الهضم ويساعدان على كسر العظم!
كل هذا في جو مرح وأنا أتفرج ولا أفهم ماذا يحصل أمامي وماذا أرى، هل أنا في كابوس؟ أنا أحلم أم أنا أعيش حقيقة أكبر وألعن من الخيال؟ ماذا أفعل هنا: أكيد لست ممثلا لدولتي ولا لقيادة جيشي، لأن الجزائر رفضت دما الدخول في هذه الأشكال من التحالفات على حساب حقوق الشعوب ومصالحها! ماذا أفعل أنا هنا وباسم من أنا أحضر؟
ساعة من التفكير، و3 ساعات من الهضم، لم أهضم فيها شيئا لا معهم ولا ما يحدث بينهم! لم أكن معنيا بما يقولون فضلا عما يفعلون أو ما يأكلون، إنما بعدما أكلوا وشربوا وتنفسوا الصعداء، ذهب أكثرهم إلى بيوت الماء: هناك ستبدأ المعارك الطاحنة بالذخيرة الحية ويسمع صداها من بعيد! لقد بدأ الاقتتال الأخوي على مختلف الجبهات! ما أكله الثور الأبيض قبل قليل، يقصف منه الثور بعضا من كثير!: الغوطة، الضغط، البلاء، حراء، الرياح، الرعود، القنابل العنقودية، الفسفورية!..حرب بلا بنادق، من الفنادق..يموت فيها الناس البسطاء في الخنادق! 
وأفيق وبطني يتلوى مغصا.. ليس جوعا، بل شبعا لما يحدث!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home