Saturday, December 12, 2015

ليس في العيد؟..في عاشوراء!



ليس في العيد؟.. ففي عاشوراء!

عيد الأضحى لهذه السنة، مر علي بطريقة مغايرة. أصلا، أنا متعود على عدم "إضاعة" الدراهم في كبش يؤكل في أسبوع، وأفضل أن أضحي "بالعيد"، لأجل شراء شيء آخر أفيد: تلفزيون، بارابول، أنترنيت، آيفون!.. هذه السنة أيضا لم أضح، على اعتبار أن الأطفال الذين كنت أعيد لأجلهم..كبروا وصاروا يقولون لي: خطينا من الهم والمشاكل والغلا، نشريوا دوارة وكبدة و3 كيلو لحم، وحنا عيدنا كيفنا كي لخرين!) وقد كان ذلك ناجعا لنا (كما بدا لنا على كل حال!)، لأن كل من كان يعرف بأننا لم نضح، كان يأتي ومعه كتف أو نصف فخد، أو على الأقل كيلو لحم. مما يعني، أننا نخرج بكبشين باطل!.(لأننا كنا نرى في العيد، كما البعض لا يزال يرى ذلك، مجرد لحم وشي وقلي ودخان!). هذا العيد، جاءني كبش بقرنيه وبشحمه ولحمه ويقول بععع!: أخي الذي يعرف أني لا أضحي ككل سنة (مع أني أيسر منه حالا! أنا نخلص مليون ونص في الشهر وهو يسلك مليون و"ميتن"! (في الحقيقة أحنا هما اللي "ميتين"!). ومع ذلك جاءني هذه السنة بكبش يسعى، يفوق سعره 3 ملايين وتسعة! قال لي: أنه ربى خروفين أحسن تربية، فوق السطوح منذ عام، وأنه كان ينوى أن يتصدق بواحد ويضحي بواحد، فلم يجد أحسن مني قربا وأسوء مني حالا بعد حاله. جاءني به عشية العيد. غير أني لم أضح به، لأني كنت أتوقع أن أحصل على لحم كبشين وأترك الكبش ليوم عاشوراء. أو أبيعه (ندير بيه "روبريز" مع تلفزيون ديجيطال). قمت بتكميم فم الكبش حتى لا "يبعرر" وقلت له: بلع فمك! ما نبغيش واحد يفيق ويعرف بأنه عندي كبش في الدار! ثم قلت لـ "أفراد" الدار و"بقراتها": حتى واحد ما يخصه يعرف بأننا عندنا كبش! راني وصيته "ما يبعررش" راكم تشوفوا الكمامة في فمه. يحل فمه ..نذبح له جد والديه..حتى قبل الصلاة!). أفهمتهم الأمر (في الحقيقة هم من اقترحوا علي هذا "الراي" السديد ذي المكر الشديد!..كي حاموا كي تامو! تربيتي!! ..ذاك "الزبل" من ذاك الأسد!.. أو أشد!"). قبل ذلك، كنت قد أدخلت الكبش خلسة ليلا، وأسكنته تلك الليلة في "الطواليت" (أما نحن فكنا نقضى حوائجنا في طواليت بورطابل! كل واحد عنده قرعة أو بيدو.. يدبر راسه وين يمشي..! المهم الكبش يبات في الفيسي! خير ما يبات في "لاشامبر "آكولشي" (عندي غرفة أنام فيها وآكل فيها وأتفرج فيها على التلفزيون! هي كل شيء!). قلت لهم بأن الأمر لا يتجاوز ليلة واحدة، في الغد سوف نخرجه "ليرعى" في البلكون! هناك سيرعى، يعلف، يبعًر، يبعرر، إلى أن يلقى حتفه في عاشور أو يباع مقابل تلفاز نيميريك!..خلاص! قضي الأمر الذي فيه تستفتيان!
لست أدري، ماذا حصل، إنما لا أحد جاءني يوم غدا أو تلك الأمسية بـ "حقي" من لحم العيد!: ما بهم هؤلاء الناس؟ ماذا حدث وماذا جرى لهم؟ هل لأن كباش العيد هذه السنة جاءت أغلى بسبب هوس الحمى القلاعية؟ أم أن الناس قد أقلعوا عن التصدق بالثلث؟ ما بهم؟ ذهبت الرحمة والخير من قلوب الناس، حتى أنهم لم يعودوا يعرفون سوى "الكونجيلاتور" ليتصدقوا عليه؟، هذا، إذا بقي "للكونجيلاتور" ما يذخر فيه أصلا!.
بقيت أنتظر ثلاثة أيام حسوما، ولم يحسم أحد أمره كما جرت العادة ويأتينا بكوطليطات لنشويها، أو كبدة فنفنيها، أو دوارة نطهيها، أو عظمة نفريها أو لحمة نقليها! لا أحد زارنا ولا حتى أحد قال لنا عيد مبارك سعيد! أكثرهم خيرا بعث "أس أم أس"..لا يزيد نصه عن كلمات ثلاثة "عيدكم مبارك سعيد"! (واش من سعد هذا؟ واش من سعد عندما يشوي سعيد اللحم ويقليه، فيما سعد، ينعم بالجوع في يوم العيد؟ الناس صاروا "ملاهطية" يا حفيظ! الكبش لا يبقى منه شيء! أفواه لا تعرف غير الأكل! لا أحد تساءل عن الجار المسكين إن كان لم يضحي ككل سنة أم مات! لا أحد جاء "ليغفر" لنا ذنوبنا ونغفر له ذنوبه..! كل بقي في بيته يشوي ويقلي والدخان ورائحة الشواء تتصاعد في كل مكان، إلا في بيتنا!
فهمت فيما بعد أن الكبش الذي كان يرعى في البلكون، هو من أفسد العزيمة وأعطى العربون!. فلقد قال الناس في أنفسهم "الأمارة بالسوء": "لقد ضحى بالتأكيد على كبش.. وهاهو كبش ثان عنده في البلكون!ّ"... لماذا لا يقولون بأن هذا الكبش ليس له، وإنما هو فقط مستأمن عليه؟ لماذا لا ينوون الخير وينوون النقص دوما! السفيه بما فيه!.
هكذا، فاتني العيد ولم أكل لحما ولم أحي سنة. لكن مع عاشوراء، قلت في نفسي: قليل من يذبح كبشا في عاشورا. في العيد، الكل كان يأكل اللحم، سواء من ضحى أو من لم يضح (فقط أنا من لم يجد ما يأكله خلال أسبوع: حتى الخضر واللحم للبيع غير موجود في السوق بسبب إغلاق في شكل إضراب عن العمل لكل الدكاكين طيلة أسبوع! أكلت فيها فقط الكسكس بالحليب! والحليب غبرة، لأن الحليب شكاير غير موجود!)
لكن مع عاشوراء، ذبحت الكبش على  مرأى ومسمع من الجيران! لكن بعد إيييه؟ بعد أن هوى الكبش من البلكون على أم قرونه، فوق سيارة مركونة ملك للجار المقابل! (يستاهل! لماذا ترك المكان فارغا تحت بيته وجاء وركن سيارته تحت بلكون بيتي؟ قال لي: الظل! عندي أنا الشمس! آآه..الظل؟!. كنت واقفا بالقرب من السيارة عندما سقط الكبش من الطابق الثالث على "باربريز" السيارة المركونة. سمعت الكبش يقول: ميييياو...آآآه... مووووه.. آآه واش راني نقول؟ بععععع! داخ ثلاث دوخات قبل أن يغمى عليه. أسرعت للموس الذي لا يفارقني، وذبحته واقفا! (داعش!). كاد أن يموت لولا عناية الله به. فقد كنت قررت أن أبيعه وأشتري تلفزيون نيمريك).!
 شويت (بالسيف علي)، وقليت كل يوم وسأبقي أقلي وأشوي طيلة شهر بالتقسيط: كل يوم كوطليط أو بشيشة لحم أو حتى حفنة شحم، إلى أن يسمع ويشم الخاص والعام ليعرفوا أني لم أضح بكبش في العيد، ولكنني ذكيت في عاشوراء.
عندما أفقت من رقدة طويلة الأمد، لم أعرف إن كان الوقت فجرا أم عصرا! صليت العصر على السادسة مساء! الله يقبل!
أكتوبر 2014

0 Comments:

Post a Comment

<< Home