Saturday, September 29, 2007

تاحمارت


تاحمارت

بقيت أفكر طويلا في الأصوات "الشابة" التي تطن أصواتها في ألأسواق وفي "أهراس الصيف" المزعجة.. وتزكم الأنوف والآذان من خلال مكبرات صوت السيارات التي تجور الشوارع ليلا ونهارا وقت القيلولة كما وقت "النيمومة"..ومن خلال أصوات الإذاعات المحلية التي صارت تتهافت على الأصوات الجديدة بدون ذوق أحيانا.. ولا خيار ولا اختيار!
فكرت ونجمت كثيرا لكني.. "مانجمتش" نفهم ماذا يحدث.. كيف أن الفن عندنا تحول إلى سيل من الكلام السوقي وموسيقى تلعب دور محسن الصوت أكثر ما تساعد الصوت!..سوى أني عدت إلى تاريخ زمان وبالذات أيام عهد الإذاعة الكولونيالية التي كانت تختار العن الألحان وأصمط الأصوات لكي تنفر بها المستمعين من الفن!
بقييت أفكر لمدة غير قصيرة قبل أن أجد نفسي أمر بجانب بالسوق الشعبي اليومي..فيستوقفني حمار بدون عربة متوقف ومربوط بحبل في موقف الحافلات العمومية..وأمامه كومة من التبن..! تقدمت منه بلطف لأنه كان وقت الأكل!..ورحت أسأله: لماذا أنت متوقف هنا؟.. ألا تعلم أن هذا المكان مخصص للحافلات؟.. هز رأسه ساخرا..كأنما يريد أن يقول لي أني أطرح أسائلة تافهة..فزدت توضيحا للسؤال:هذا المكان غير مخصص لتوقف الحيوانات..أنت هنا تعيق حركة التوقف ونزول وصعود الركاب..أنت مكانك ليس هنا..! لم يستطع أن يقاوم إلحاحي..فأجاب: الحمار اللي كان راكب علي.. هو اللي ربطني هنا..! على بالي بأن هذا المكان "سطاصيونما" أنتيردي!..عييت ما نوخر ونتمنع..بصح مابغاش.. ضربني..وربطني وخلاني بلا ماكلة ولا ماء هذه 6 ساعات.. ولولا المحسنين لكنت مت بالجوع والعطش! قلت له وقد راقني حاله:والحمار اللي كان راكب عليك..أين ذهب..؟قال لي: عنده موعد في الإذاعة.. باش يسجل أغنية!..قلت له: وعلاش ماداكش معاه..؟الإذاعة راها قريبة وهناك يقدر يوجد لك مكان يربطك فيه في الظل..! قال لي: خاف من المنافسة.. وإذا سمعني برنامج" الصوت الذهبي"..وأنا أنهق..يخاف نديله بلاصته..ونفوز بالأسطوانة الذهبية!
قلت له: حرام عليه..واش من أغنية راح يسجل: قال لي: أغنية من تأليفي وألحاني..وقد سرقها مني صاحبي قبل أن أسجلها في ديوان حقوق "التعليف"!..ونسبها لنفسه..! قلت له: أنت فيك العيب.. لماذا لا تفضحه أمام أصدقائه من الحمير وأصدقائك من البشر..مثلي.. فأنا هو الصحفي المخفي واستطيع أن أساعدك! قال لي: ربي جابك.. راه في الأستوديو الآن يسجل.. هذا إذا ما يكون الوقت فات وسجلها باسمه!. قلت له: الوقت لم يفت سأفعل المستحيل... أبق هنا مربوطا وسأعود! قال لي: ما تخافش راني هنا مربوط حتى للمساء..إذا دارولي "صابو"..سلكني!... قلت له: ماشي..أنا عائد بعد لحظات!
ودخلت على المطرب الحمار..وهو يحاول إمضاء عقد باسمه واسم الأغنية.. من كلمات وأداء وتلحين..لأطير الورقة من يديه ويدي الموظف حتى أنهما اعتقدا أن الريح قد أخذها.. قبل أن أصفع معا،المطرب..والموظف، الذي كان يعرف بعد أن أخذ 10 في المائة من مبلغ العقد..وما إن أفاق المطرب الحمار من تأثير الصفعة..حتى صار ينهق عوض أن يغني..وتعطلت لغة الكلام عنده..ولم يعد يعرف غير النهيق..مسكت الميكروفون على المباشر وأفصحت للمستمعين على المباشر عن هوية السارق الذي انتحل شخصية الحمار..بعدما عجز عن تأدية أغنية جميلة..تماشيا مع موضة العصر..
عندما عدت إلى الحمار المربوط بعد ساعة..ماذا أجد؟.. وجدت المطرب الحمار مربوطا إلى عمود بموقف الحافلات..والحمار خلفه مسرحا ينتظرني! قلت لصاحبي الحمار:انتهت المشكلة.. من الآن يمكنك أن تغني وتكتب وتلحن باسمك الخاص..مادام أنه لا فرق بين مطرب وحمار اليوم.. إلا بالعشرة في المائة!
عندما أفقت من نومي..كان كتاب الأديب أحمد رضا حوحو بين يدي وأنا أقرأ قصة المطرب الحمار!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home