Friday, April 28, 2006


سيرك عمار: بسوط/ عمار يزلي

França, mon amour


منذ أن عدت من لبنان (الذي كانت بعض الكتب اللبنانية تقول عنه ونحن صغارا ندخل القسم الأول مباشرة بعد الاستقلال، حيث اتخذت الكتب العربية اللبنانية والمغربية وقتها، كتبا مدرسية ومنهاجا دراسيا، فيما كانت الكتب الفرنسية التي أنتجتها لتعليم أنديجان الجزائر لا زالت تعلمنا بالفرنسية طبعا أن "Akli est un Bèrbère وأن René est l'ami d'Akli!..هكذا كانت كتبهم تعلمنا..وصاروا يعلموها لنا لسنوات بعد الاستقلال..كما كانت الكتب اللبنانية، أو لنقل البعض منها ممن كتب بأيادي ذات نزعة تغريبية، تقول في تعريفها للبنان أن لبنان "بلد ذي طابع عربي"!!)..قلت، منذ أن عدت من هذا البلد الذي أريد له أن يكون "ذي طابع عربي"،..بحيث لا تبقى من عروبته إلا بعض الأحرف الناطقة بهذه اللغة الثقيلة على اللسان والقلب الأوروبي، حتى أنه يعجز على نطق معظم حروفها..لم أعد أعرف كلمة واحدة بالعربية (حتى هذا السيرك إنما ترجم عن الإنجليزية نقلا عن الفرنسية!!ترجمه أستاذ مختص في اللغة الإسبانية!!..)أو لم يقل رئيس الجمهورية أنه يجب علينا أن نفتح ألسنتنا وقلوبنا على حوار اللغات والثقافات والحضارات؟..حتى أنا فتحت فمي لحوار الهدارات!!..صرت لا أهدر إلا بالفرنسية الفصحى..حتى مع أطفالي الصغار الذين لا يفهمون حتى العربية..وحتى الذين لا يفهمون ..بل صرت أصلي بالفرنسية..وأنطق الراء غينا باريسية..
لم يفهم أحد ماذا حدث لي:لم أكن أعرف من الفرنسية سوى :merde عليك!..وصالو..وعبارة تعلمتها من كبار العجزة:تيفيشي !!(فهمت بعدها أن معناها "..إذهب إلى المرحاض!")..صرت أعرف الفرنسية أحسن من شيراك..بل لا أعرف غيرها..
الأطفال والعائلة..ارتبكوا في الأمر، وراحوا يتنابزون بالألقاب، قبل أن أفهم قصدهم بأنهم يريدون أن يأتوا إلي بخبير لغوي:قلت ربما يريدون اغتنام فرصة دعوة البروفيسور نعوم تشومسكي اليهودي الأمريكي المختص في اللسانيات، صاحب المواقف الكبرى الرائعة من العدوان الأمريكي والحملة الصليبية الأمريكية اليهودية على العالم الإسلامي، لحضور الملتقى الدولي حول الإرهاب الذي سيعقد نهاية الشهر بالعاصمة تحت إشراف رئيس الحكومة والأديب القاضي رئيس الديوان،الإداري المثقف الكبير..
نعوم شومسكي الذي قد يفهم ماذا حدث لنا جميعا..في المسألة اللغوية:كنا في العربية التي لم يجد من يطبقها، حتى صرنا في لأمازيغية التي لم يعترف بها أحد، ثم الفرنسية التي لم نتبرك ولم نبرك في رحابها بعد!..لماذا هذا المشكل اللساني عندنا؟..لماذا دخلت مصر منذ ألأزل في منظمة الفرنكوفونية رغم أنها لا ينطق بها إلا يوسف شاهين..وبطرس غالي..et encore!!..وهي تأخذ سنويا ما يعادل 3 ملايين دولار لقاء هذا الانخراط..
كنت أعتقد أنني سأعرف ساعتها ماذا أقول لتشومسكي..لكن وجد نفسي وجها لوجه أعطس في وجه مرقي..أتشوم!!..جاء ليخرج منى الجنون الثلاثة:بلّحمر،بلّزرق وبلّبيض الذين سكنوني بعد حضوري قمة لبنان للدول الناطقة بالفرنسية مع الدول غير الناطقة أصلا!!..إثر خروجي من قاعة المؤتمر الصحفي..حيث هويت في بهو المراحيض العمومية التي كان يخرج منها رئيس عربي لا يعرف كلمة واحدة بالفرنسية!! حتى هو جاء ليتفرنس !!ولم أفق إلا وأنا قد غيرت قاموس المحيط..بقاموس Grand Robert ..لا أعرف كلمة واحدة بالعربية سوى عبارة "طز"!..ربما لأنها كانت آخر كلمة سمعتها في آخر مكان سقطت عنده!..صار كل من يسألني من العرب والبدو ..أرد عليهم :طز!..حتى القدافي الذي يحب هذه الكلمة..حييت سفيره بها:طز!..يسألونني مابك؟..طز!..أنت مريض نأخذك إلى بلادك؟…طز!..تريد أكلا؟..طز!..تريد تقرأ الجريدة؟..طز!..تريد أن تتابع برنامجا تلفزيونيا؟..طز!
ورحت أطز..وأطز..قبل أن يرحلوني لوحدي في رحلة خاصة على متن الخطوط الجوية الطانزانية!!
مع أبنائي كان نفس الجواب باللغة العربية..وعندما أشفقت من حالهم حولت لساني إلى الفرنسية التي صرت أتحدث بها بطلاقة..
مع المرقي الذي ..أتشم!!..عطست له في أنفه مع أول آية قرأها..رحت أتحدث وأجيب على الندوة الصحفية التي كان المرقي يستجوبني فيها:أنا يسمونني جاك بغل..صاحب أغنيةNe me quitte pas!..وقد دخلت في جوف هذا البشر لأنه لم يكن يحبني مثله مثل Ces gens là (أغنيية له)..كل الناس تعلموا أن يقايضوا وهو لم يرد أن يقايض ..لا يزال يعتبر الفرنسية جنديا..وليست لغة..ولهذا ضربت أمه..وصرعته..حتى يعرف قيمة الفرنسية التي كان يكتب بها بودلير وفلوبير..وكورناي..وبالزاك.ودي موباسان..ودي ميسي..وبوتفليقة..! قال له (لي) الصادق :تخرج وإلا لا؟..رد عليه : مانخرجش وسأبقى أغني :Ne me quitte pas دوما!..هددني بالنار فما قبلت..عندها أخذ ورقة قرأ فيها ثم أحرقها ووضعها تحت أنفي فعطست ثانية: أتششمسكي !!فقلت بالعربية: الحمد لله! فرد علي : رحمك الله !..على أساس "تعطيس الشامت، وليس "تشميته!!..
لم أعرف سبب هذا الشفاء إلا بعد أن أخبرت بأن الورقة التي أحرقت تحت أنفي كانت ورقة انتخابات لمرشح من الأرندي ..عاث في الأرض فسادا يوم كان أميرا..ثم انتخب ثانية أميرا على الجماعة..في بلدية فاز فيها الأرندي بمقعد واحد مقابل 4 للأفلان و 4 "لعهد 62":عين أميرا لمشكلة تساوي الأعضاء الآخرين:فاز الثعلب بالدجاجة بينما كان الذئب والدب يتصارعان ، على رأي الحكاية الشعبية!!
عندما أفقت من نومي، كانتزوجتي توقض في وأنا أهترف بالفرنسية..França mon amour!!



0 Comments:

Post a Comment

<< Home