Friday, April 28, 2006


سيرك عمار بسوط : عمار يزلي

الشطارة.. الشكارة.. والزكارة

منذ أن تربع الرئيس بوتفليقة على كرسي الرئاسة، أكثر من حركتين في سلك القضاة أحدثها فيما أزعم، الثالثة فيما يبدو على الأبواب! هذا مؤشر لا يدل على أن العدالة تتجه باتجاه حسن دائما، فكثير من القضاة وجدوا أنفسهم معينين خارج دائرة مجالسهم رغما عن أنوفهم، فيما ابقي على البعض الذين كان من المفروض أن يرحلوا نهائيا "بهم بالشكارة"!
قبل أيام، اجتمع الخلان من السكارى وأرباب المال بإحدى فيلات الكورنيش الوهراني ساهرين حتى ساعة متأخرة من الليل وأصوات الموسيقى السافلة والتبراح بالمبالغ الضخمة " برئيس مجلس قضاء ولاية سهبية وقاضي آخر من نفس المدينة الحاضرين في هذا "الجمع الكريم"،فيما يوجد قاضى بولاية سهبية مجاورة وقد رحّل عنوة ليرأس غرفتين بعد كان رئيس مجلس بإحدى المدن الساحلية:قاض برتبة مستشار بالمحكمة العليا لا يتعدى مرتبه 5 ملاين سنتيم ينتقل من وهران إلى ولاية العمل بالطاكسي ويسكن بيتا غير مكتمل التحراش وليس ملكا له!يصرف أكثر من 2000 دينار شهريا لشراء المراجع القانونية للفصل في الملفات!
في المقابل، رجال أثروا من العدالة، لا يزالون يمارسون أقذر المهام بإسم القانون والعدالة!
3 حركات في سلك القضاء لا يؤكد أن العدالة تتجه نحو الأحسن،لكن المؤشر يقول أن هذا الجهاز بات من أولويات أولويات الإصلاح الرئاسي. صحيح أن الحملة ضد الرئيس هي حملة ضد اليد النظيفة التي أنهت حياة بوضياف،وأن الرئاسة قد أعلن الفساد الحرب ضدها، لكن أن يكون حطب الفتنة من النزهاء أمر لا يقبله العقل!
هذه المسألة جعلتني أقضي الليلة بدون نوم:قاضي منذ سنوات يملك سيارة " ملعونة" مثل سيارة عبد القادر المازني لا يمكنه الاعتماد عليها في تنقلاته للعمل بولاية مجاورة، فيرغم على حشر نفسه بين المتقاضيين والبسطاء الذين لا مال لهم، والشرفاء ممن أغناهم الله بالقناعة،وكذا مع المهربين وخريجي السجون والفساق وباقي التشكيلات البشرية التي تنتقل عبر الطاكسي والحافلات الخاصة والعمومية (أما كبار الفساق والمجرمين وأصحاب السجون الذين من المفروض أن يكونوا داخلها عوض أن يكونوا المسئولين على إدخال الناس إليها فتجدهم يركبون أفخم السيارات التي لا أعرف حتى أسماءها)!
عندما حشرت نفسي داخل المقعد الأوسط لطاكسي ناقل للبشر..يحمل من الخرفان تسعة عشر، أنا القاضي القديم، رئيس مجلس قديم..وجدت نفسي بين شخصين لا أراكم الله سحنتهما:واحد كمن بال عليه كلب "بول" كلينتون الراحل، وآخر كمن ولدته أمه بالنيابة عن أبيه!مخنفر الوجه..أنفه كرروثة بعير قتله الإسهال! راح الأول يقول لصاحبه:اليوم تفرى.. راني أعطيت الشكارة..براس بويا ما ندي فيها نهار!..600 مليون.. مديت فيها 200..يتسمى "بون آفير!"..فيرد عليه الآخر:وشكون يكون فيها؟.تعرفه؟.. الآخر يرد بطريقة لا يمكن أن نصفها إلا بـ " لا حول ولا قوة إلا بالله" بالمعتوهه:..ينعل جد بوه..اللي كان يكون .. الدراهم يديروا الطريق في كرش البريق..قاع ياكلوا .. قاع.. الشكارة مديتها للرئيسي..وهو يوكل الجوج.. والقريفي..والبروكيرور..قاع ياكلوا..!"
كنت أسمع إلى حديثهم ورائحة الأفواه والآباط والدخان والخمر..وحتى رائحةالزطلة..عندما سمعت السائق يقول لنا(وقد زطلها بفعل الدخان):اسمحولي راني دخلنا لمعسكر..راني غلطت في الطريق..! قالها وهو يضحك.. فيرد عليه الجميع ضاحكين : ما عليهش..كيف كيف..معسكر وإلا غيليزان قاع مدن جزائرية!.. لم أفهم سر هذا الطنيز..خاصة وأن الجميع عد ذلك رفع عقيرته بالغناء.. وراح الجميع يؤدون أغنية لحنها أقرب إلى النباح .. كلماته أقرب ما تكون من صوت بالوعة المرحاض العمومي..أحدهم دمرني بمرفقه حتى كدت أن أدخل في جاري الأيسر:.." وأنت ما تغنيش معنا؟..هيا غن.. مالك حشمان..هنا قاع خاوة..!
3 ساعات على هذا الحال .. وأكثر من كلام تافه وتقريع..وأنا صابر..لعل الوصول يكون قريبا.. في الواقع حتى أنا تأقلمت مع الوضع ورحت أغني لهم أغنية أحفظها .. وهذا تحت إلحاحهم .. بل تهديدهم إن لم أغن لهم ..لأنزلوني من السيارة وسط الغابة!.. رحت أغني لهم وهم يصفقون ويتضاحكون ويرقصون:" ياطيارة طيري بي .. وصليني لمواليا..ياطيارة قلبي حاير..".
عندما وصلت إلى المحكمة، كانت الجماعة كلها ماثلة أمامي: كلهم بدون استثناء شركاء في قضية واحدة:تهريب 10 قناطير من الكيف!
الكل تفاجأ بوجودي رئيسا للجلسة..والكل كان ينتظر الحكم..والكل كان متيقنا أن الشكارة قد فعلت فعلتها، لكن أغنية "ياطيارة طيري بي ..وصليني لمواليا.." يبدوا أنها خففت من التفاؤل.. فالإهانة كانت أكبر من الشكارة التي لم تكن تشريني منها العشرات.. فأنا المعين لأول مرة بهذه الولاية.. قد سبق معهم أن حاولوا التجريب معي في قضية أخرى أدهى وأمر ولم يفلحوا إذن أبدا..
الليلة كانوا كلهم زوارا للسجن المركزي.. لكن بالمقابل.. كنت غدا.. أول منفي إلى ولاية ثالثة أدهى وألعن: لقد طيروني.. ربما لأني لم أحسن أداء أغنية " ياطيارة طيري بيّ"!.. هكذا فهمت.. وإلى غاية اليوم..ولا زلت أتساءل في براءة الأطفال: هل أن كل من لا يحسن أداء أغنيية " ياطيارة" .. يطيروه؟!..سؤال برئ فقط!
أوت 2002…

0 Comments:

Post a Comment

<< Home