Saturday, December 31, 2016

في بيتنا بحر..


في بيتنا بحر..



كنت "متفائلا" من أن عمار "الغول" الذي تغول في الحكومة حتى صار قبل أن يغادر، أقدم وزير في حكومات الرئيس المتواترة، كنت متفائلا بأن يجعل من صيفي هذا ممتعا، بالنظر إلى أنه دشن الطريق السيار يوم كان في النقل قبل أن ينقل إلى السياحة ليعطيها نقلة، فإذا به ينقل قبل إعطاء النقلة، ربما تزامنا مع حملة "النقل" الذي وقع في وزارة بن غبريط! فهو وزير تنقل من عدة وزارات لأحداث النقلات، لكنه نقل قبل أن استحم في البحر وأسيح على الشاطئ الذي لم أعد أعرفه منذ أن صار الخواص يبيعون الرمل ويبزنسون في "الماء المالح للشرب".
بكيت على السياحة التي أريد لها أن تنقل "الحجاج الأوروبيين" والحجيج الجزائري كل صيف إلى الشواطئ لتعرية الأجساد والعودة إلى "العصر البرونزي"، بمباركة و"حماســ ..ـة" غول النقل والسياحة الذي ترك حماسه وحزبه لعله يتحول إلى "تاج" عروس بمباركة الرئيس، إلا أنه لم يجد لا "تاج  العروس" ولا "شاشية العريس"! مع ذلك بقي لما بعد إنهاء المهام، يروج على صفحته في الفيسبوك للسياحة وكأنه يقول لمن نقله إلى "مهام أخرى" بأني لا زلت وفيا للسياحة!
قلت لزوجتي: "الصيف، ضيعت اللبن"..البحر عليكم هذا العام! هذا العام سأجلب لكم البحر إلى البيت، ما تخافوش... أنا ما تبحرليش!
اشتريت لهم بيسين بلاستيكية قطرها 3 أمتار ووضعته وسط الدار..في الحوش يعني..في مكان لا يطل عليه أحد..ولا اثنين!
"هنا، ستبحًرون! البحر من ورائهم والحر من ورائهم وليس لكم والله إلا البيت والدار والاختباء خلف الأسوار!" هكذا خطبت فيهم قبل أن أشتري هذه البُحيرة المتنقلة! وتعالى تشوف الهم عندما يبحث عنك حتى في الدار! صار بيتي قبلة لكل من هب ولا يدب..من أبناء العائلة والجيران الذين صاروا يزورونني كالفئران..في كل وقت! يقظون مضجعي عندما أهم بالقيلولة، فلا تسمع إلا الصياح والنباح والعويل والصراخ والزعيق والنعيق!
أبنائي وجدوا راحتهم في اليوم الأول فقط، أما اليوم الثاني فقد تركوا "البحر القصير" لأصحاب الأقدام الطويلة السوداء من سواد العائلة والمقربين والمبعدين! حتى من كان لا يزورك إلا في الموت..جاء يقول لي "توحشناكم"..وجاء "بكمشة نتع بزور" وكأنهم دروسوا "قلة التربية" في المدرسة!
في اليوم الرابع،  بدأت الشكايات والحكايات تصل إلى بيت نومي! فأنا أصلا خاطيني البحر وخاطيني الماء! أنا "بري" ولست لا بحريا ولا برمائيا! أنا متوحش..خلوي، صحراوي مترمل! بدأت زوجتي تتأفف وتقول لي: "أنا هذيك لابيسين غادي نثقبها ونسيًل دمها قدام اللي يحب واللي ما يحبش! أنا وليت قرصونة في هذا الدار! مش فقط غير يجيوا عندي يفوتوا العطلة ويعوموا ويبرونزيوا، يزديوا يدوشوا ويأكلوا ويفطرواا ويشربوا..ويــ يوسخوا لي الطواليت! أنا راه عندي الأوتيل هنا؟ مركب سياحي؟". قلت لها: "عمار غول مشى لداره، ها راهم الجيران يتغولوا علينا"!  قالت لي وهي تزأر وتبشش شعرها المبشش أصلا:"لو كان هذا الغول خدم السياحة والنقل، لو كان رانا في البحر كيما قاع الناس يديروا! الناس يروحوا يرتاحو وحنا جبنا لهواس للدار"!
الأبناء والبنات، جاءوني قبلها بقليل يقولون نفس الشيء مع بعض الخصوصيات: بابا، طرًد علينا الناس! فلان راه بال في لابيسين! فلانة رمات التراب في الماء، علاًن زلًع الماء نتاع لابيسين! أولاد فلانة راهم يحرموا علينا العوم أحنا أصحاب الدار، أبناء فلان، ضربونا! قلت لهم: في عشنا وينشنا؟ من اليوم والله ما يزيد واحد يدير رجليه في الماء يبردوا!! اليوم أنا اللي غادي نعوم وحدي! اليوم أنا ندير كراعي!
وخرجت من بيتي وأنا أزبد وأرعد: أول من صادفته هو ابن الجار بياع الكاران: مسكته من "الكيلوط" وسحبته له نحو الأسفل أمام الذكور والإناث: تزيد تولي، الكيولط يطير! هيا طر لأمك!(وخرج يعوي وسط ضحكات الكل!). دقائق ويدخل أبن جار الجنب ابن قدور بائع البطيخ، حاملا نظارات قد هاااك... وباراصول وسربيتة ونعالة و"لي بالم"! والماسك! تحسب راه عندي المرجان في أعماق البحار!. مسكته هو الآخر من مؤخرة الكيلوط  ونظرت فيه بلا صراخ: واش، راك رايح تبحر في دار الحاج موح، عوم وروح؟ راك تشوف في عندي بيسين أولمبيك هنا؟ وإلا عندي "كاب فالكون"، طير عند أبوك خير ماراك تصوًر الجمهور بمؤخرتك! (أقصد به جمهور العائلة)..
الولد لم يعرف ماذا يقول سوى أن قال لي: لا لا عمي..راني ماشي..أنا يما هي اللي قالت لي روح تعوم عند عمك موح! قلت له: قولي لها: عمي موح، ماعندهش سفينة نوح! يالله عفط؟؟ طير خير ما كيلوطك يطير!
وهو خارج، سمعته يقول لفريق عوم آخر قادم من نهاية الزنقة ليعوم عندي: " غير وليوا تروحوا.. والله اللي يدخل راه يقلع له الكيلوط!"! واسمع الأرجل والكلاكيطات تتعثر في الطروطوار هاربين وكأني كنت خلفهم بملقط أنزع عنهم لباسهم!..هربوا كلهم..ولم أر أحدا منهم منذ ذلك الوقت! يبدو أن الحاضر أعلم الغائب..والأمر وصل إلى الفيسبوك: صرت حديث العام والخاص بينهم: ينكتون وينذرون ويسخرون ممن سحبت من خلفهم أنصاف سراويلهم! كلفني هذا بطبيعة الحال لوم أبائهم وحتى أمهاتهم، لكن ربحت راحتي وراحة أبنائي!
في ذلك اليوم بالذات: كنت أنا من سيتوسط البركة الاصطناعية! أنا وحدي أعوم حقي!
بقي أبنائي وبناتي وأمهم  يتفرجن علي وأنا أهم لأول بإنزال بحري! كنت ألبس سروالا عربيا خشنا وقميصا، فأنا لا أحب أن أتجرد من ملابسي في هذه الشمس المحرقة مخافة حريق من الدرجة الثالثة كما حدث لي في عز الشباب لما كدت أفقد القدرة على السير والقيام والقعود طيلة 20 يوما، بسبب تعرضي لشمس البحر طويلا!
وقفت على كرسي عالي بغية القيام بغطسة نوعية تسمى "البومبة"، أي السقوط في الماء على المؤخرة! وتعالى تشوف ما حدث لعمك موح!: ششششلاااطططط! وأهوي بسروالي العريض وسط البحيرة، لترتفع موجة ماء بعلو متر ونصف وأهوي أنا على المؤخرة فوق الكارلاج! آآآآي!
الماء تزلع كلية من البحيرة...سروالي خنقنس وكتم أنفاسي من الرأس إلى القدم حتى شربت نحو 3 لترات من الماء الوسخ!..الذي لست أدري ماذا كان فيه..بحسب الأبناء.. البعض بال..فيه! وإذا ما يكون آخر قد فعل شيئا آخر.. أدهى وأمر!..كل هذا راح إلى معدتي..وسط ضحكات وقهقهات زوجتي وأبنائي، لم أسمع ألعن منها من قبل! المشكل الأكبر بقي في موقع الضربة! فقد نهضت بعذاب شديد ورحت مباشرة إلى السرير الخشبي..لعلي أسرح عظام العصعص في نهاية العمود الفقري التي كاد أن يتفتت من جراء سقوط جلمود صخر حطه السيل من عل: 120 كلغ تبارك الله!

وأفيق وقد سقطت من سريري لأني كنت أحلم أني سقطت فعلا في لابيسين!

جوان 2016