Friday, January 26, 2007

!عاشوا......وراء


!عاشوا......وراء

فوجئت بمظاهرات وطنية عارمة بمناسبة اقتراب يوم عاشوراء،وهم يلبسون الأسود ويضربون أنفسهم بالسياط (صار السوط الواحد يباع في السوق السوداء بآلاف الدينارات..أما سوط عمار..فلم يستطع أحد شراءه!!!)..ويلطمون صدورهم ويندبون وجوههم..والدماء تتطاير من كل الجهات..والمسئولون مستاءون ينظرون إليهم "النظر الشزر"..ويأمرون قوات الأمن والجيش بعدم التدخل "الصريع"..لعل المظاهرات تنتهي بانتهاء آخرهم..بعد أن تنفد الدماء..
فوجئت بمجموعة من المتظاهرين، يجلدون أنفسهم بسياط من حرير..وآخرين بسلاسل من حديد..ولكن حين سألت عنهم، قيل لي: "هؤلاء مخبرون، تموهوا في الجماهير المتظاهرة..تظاهروا بالتظاهر لمعرفة الظاهر من الباطن.. !..ألا ترى ماذا يسيل من أجسامهم؟.."..وبالفعل، عندما أمعنت النظر إلى البعض، رأيت دما أسود يقطر منهم..عرفت فيما بعد أنه "النفط" وليس الدم! وتذكرت حكاية النفط الأحمر التي ابتدعتها فرنسا عن نفطنا..فامتنعت عن شرائه..فقام الراحل بومدين بتدمير "العرق الخبيث" كما سمى آنذاك الكروم التي كانت تغذي فرنسا بخمورها!..وسمعت شعارات مرفوعة مختلطة: البعض يغني مقاطع لعنترة العبسي: "ولقد ذكرتك والرماح نواهل.... مني وبيض الهند تقطر من دمي"، فيما آخرون يصرخون: يا حسين..لبيك يا حسين..(كانوا يقصدون حسين آيت أحمد..)، عرفت أنهم من الأفة فاس..! فيما كان آخرون يرتلون أشعارا شبيهة بأشعر الحزن والبكائيات: يا حسراه على قبيل كنا في تاويل... كي نوار العطيل شاو النقضية" !
صراخ ونواح،ولغط وعياط، كان يصاحب هذه المظاهرة الـ 30 مليونية!..هذه التظاهرة الثلاثينية..!
لم أفهم، ماذا يحدث، كيف صار الجزائريون خلال سنة، وتحولوا إلى شيعة!.. بعد أن كانوا سنة!!في سنة، واحدة يتحول الناس جميعا إلى شيعة..؟كيف ولماذا ومتى وأين ومن؟..السنة الماضية فقط، كانوا سنة متفرقين إلى شيع..واليوم صاروا شيعة متحدين في سنة واحدة!!..قلت: ربما يكون تأثير حزب الله في الصيف قد بدل رأي الناس في الخريف؟!! من يدري؟... المثل يقول عن المرأة التي طلبت الطلاق في الشتاء والتي كانت متعودة على اللبن المدرار في الصيف، وهذا على لسان طليقها:الصيف ضيعت اللبن!..ربما يكون ذلك هو السبب؟!! لكن.. لا..لا أعتقد ذلك، فالطريقة الهمجية التي اغتيل بها الراحل المقيم صدام حسين والطريقة القذرة التي نفذ بها حكم الإعدام في البندر ولاسيما في برزان..حتى أن رأسه قطع واستل معه الرئتين..جعلت من كل محبي الشيعة في إيران وفي لبنان، يغيرون فجأة من مواقعهم ليتحول الشيعة في إيران والعراق وقليلا ما في لبنان إلى خصوم.. ! لا أعتقد إذن أن الجزائريين قد صدمتهم صور إعدام صدام..ربما يكونون قد فرحوا بمقتله وابتهجوا بذلك، فتشيعوا جميعهم على إثر ذلك؟..مستحيل..!! الجزائريون يكرهون صدام؟..أبدا !! ربما كان البعض لا يحبه..لكن بعد وفاته بتلك الطريقة صار يحبه في وفاته أكثر مما كان يحبه في حياته.. وذلك هو الحب الصادق.ز لأنك عندما تحب شخصا حيا..تحبه لذاته، أما حين يموت، تحبه من أجل ذاته!.. يستحيل على الجزائري عامة أن يتشيع نكاية بصدام وحبا في الشيعة الإيرانيين الذين صفوا حساباتهم السياسية والقومية معه على يدي مجموعة حزب الدعوة بالأساس..الدعوة إلى الولاء لـ"جمهوري إسلاميي إيرانيي"!
اقتربت من أحدهم وسألته باللغة الفارسية (تعلمت في الجامعة بعض الكلمات منها) عن انتمائه إن كان جزائريا سنيا أم شيعيا..أم عراقيا ، فرد علي بالفارسية أيضا!!: مان غيجفاري إسلاميي الجزائري هستم؟ (الترجمة إلى العربية: أنا جزائري مسلم وأنت؟).. قلت له:"خضاي راسيباس مانهام خبام !" (الترجمة: الحمد لله أنا أيضا..).
بدأ الشك يدب في نفسي: ربما أكون في حلم كالعادة، فرحت أسأل الثاني، وهذه المرة بالفرنسية عن جنسية كل هؤلاء المتظاهرين: فرد علي بالفرنسية طبعا: "نو ..سم..ألجيريان..توسسس!" (فبدأ أكحح...كح كح..!).سألت آخر بالعربية وأخري بالبربرية.. وكان الجواب واحدا.. وكأنهم تفاهموا عل إجابة واحدة كناطق رسمي واحد!..
عدت إلى البيت لأشاهد الأخبار في التلفزة الوطنية.. بقيت يوما كاملا أنتظر أن أشاهد ما كنت أشاهد...!.. أشهد بعدها أن أحدا لم يشاهد عليها ما كان الجميع يشاهده في الخارج،فقط خبر صغير ورد في نهاية نشرة الأخيرة تقول أن: أحد المواطنين خرج في تظاهرة لمناصرة رئيس الجمهورية في برنامجه الطموح..!!!مما يدل على الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها فخامة الرئيس!!
ولما لم أقتنع بهذه الأطروحة (رغم أنها "مش بطالة".. يعني قابلة للتصديق!!)، فتحت القنوات الأجنبية لأسمع العجب:كل الجزائريين خرجوا يوم عيد عاشوراء يندبون وجوههم وينتفون لحاهم ويمزقون أثوابهم..ويلطمون صدورهم..ويقرصون أفخاذهم..على مهزلة افتتاح السنة 2007، الجزائر عاصمة الثقافة العربية!



0 Comments:

Post a Comment

<< Home