Saturday, July 14, 2018

ديغول أو ديغول با..


ديغول أو ديغول با..
أتذكر أنه في يوم الاستقلال، وكنا صغارا في السابعة من العمر، كان الحماس يقتلنا ونحن نردد في المدارس، في أول دخول مدرسي في سبتمبر 62، بلا معلمين من غير بعض الممرين الجزائريين الذين كانوا في المغرب أو بعض المصريين أو جزائريين تعلموا الفرنسية في الجزائر وكان عددهم جد قليل وعدد التلاميذ أيضا، نردد أناشيد: من جبالنا، وقسما، وجزائرنا، وبعض الشعارات التي كنا نرددها بلا فهم وأحينا بتكسير غير متعمد: "تحيا أنغولا، يسقط البرتغال" (كنا ننطقها: تحيا الغولة، يسقط البرتقال)، ربما اليوم كان الشباب سيرددونها يحيا رونالدو يسقط ماجر)..
كنا صغارا، لكن حب الجزائر والاستقلال كان يبهرنا، لأننا رأينا بأم أعينا الحرية وفتحنا أعيننا لأول مرة على الحرية وعلى جزائر بلا دبابات ولا قنابل ولا أصوات ولا قصف للطائرات للمناطق القريبة من مداشرنا التي أبيدت عن بكرة أبيها وأمها، حتى أنها اليوم لم تعد ترى إلا أحجارا وأطلالا..
أمي كان تقول لي: أنت ولدت "فارسي"..أنا فارسي؟ إيراني يعني؟ شيعي؟ لا لا.. فارسي، أي ولدت على أرجلي. لهذا أنا اليوم لا أتحدث عن دشرتي هذه التي فتحت فيها أعيني على الموت والدمار ثم فتحتها ثانية على الاستقلال والعلم الوطني والحرية وبن بلة وبومدين..لا أتحدث عنها كونها مسقط رأسي.. بل "موطئ قدمي". ولدت وأرجلي تسبقني قبل راسي، وهي حالة نادرة في الولادة، وما أقوله هنا صحيح، ليس للدعابة.
ولدت على أرجلي، وحدث لي بعد سنتين أن هاجم العسكر القرية وشرعت النسوة في إخلاء البيوت بعد أن كان الرجال قد أخلوها قبل ذلك، إما التحاقا بالجبال وإما هروبا إلى الأحراش أو اختباء في المخابئ والمطامر البعيدة. أول ما حصل لي في الثانية من عمري أن رمتني أختي الوسطى، وكانت لم تتجاوز 10 سنوات بعد، رمتني على ظهرها لتهرب بي مع أمي التي رزّمت الألبسة والأكل وما خف حمله وثقلت قيمته. مسكتني أختي من يدي اليمنى ورمتني فوق ظهرها كأنها ترمي كيسا، هذا ما قيل لي فيما بعد، بعد أن كبرت. هذا الحدث جعل مني أول طفل معطوب حرب. لقد انفصل يدي عن كتفي وانتفخ الكتف كله. أيام وأنا أبكي ولا أنام، ولا أحد فهم السبب إلا بعد أن ظهر الانتفاخ أكبر وعرف السبب.
قلت لأمي بعد الاستقلال مازحا: إذا لم أكن مجاهدا مثل أبي، فعلى الأقل أنا معطوب حرب، ومن المفروض أن يخلصوني 100 في المائة.
هذه الحكاية ذكرتني اليوم بعيد الاستقلال والذكرى 56 لاستعادة السيادة الوطنية وقد شهدنا من التغيرات ما لم نكن نتوقعها: الإيجابي منها الأكثر والسلبي منها كثير، حتى أننا صرنا اليوم لا نلتفت لقيمة هذا اليوم ولا نعطيه تلك القدسية والرمزية والقوة المناسباتية المناسبة له: ليس لأننا نسينا التاريخ وإنما لأن من صنعوا التاريخ، نسوا الإنسان الصانع للتاريخ. ولا عجب أننا لا زلنا إلى اليوم نجد بعض الناس وهم قلة من لا يعرفون من هو رئيس الجمهورية اليوم..وقد سمعنا هذا في بعض التحقيقات الصحفية مؤخرا. كنا نسمع هذا عبر النكت، لكن لم نكن نعرف أن هناك من لا يعرف. كنا ننكت عن أيام بومدين لما سئل فلاح من الهضاب عن رأيه في الثورة الزراعية، فقال: اللي عملها ديغول رانا قابلين بها..لكن هذا الأمر يبدو انه لا يزال موجودا.. إلى اليوم..بعد 56 سنة من الاستقلال.
5 جويلية 2018

0 Comments:

Post a Comment

<< Home