Saturday, December 12, 2015

"مبعر" رفح!




 
"مبعر" رفح


وجدت نفسي أموت وأبعث وسط خلائق وأناس أعرفهم وأنا لا أعرف، وأعرف بدون أن يسبق لي عرفتهم: الشاكي والباكي، الغني والمستغني، الفقير والمفقور، الكافر والتكفيري و"عبد" المؤمن والخليفة.. وأصحاب "الله يخلف"..المخالفون والمخلفون من الأعراب..المعربون والعاربة والمستعربون في محل تعريب.. المفرنسون بالتعريب والمغربون بالفنرنسة وأزلام الأنظمة السابقة واللآحقة والفلول..والحلاج والمنادين بالحلول..المتصوفون والطرقيون والزهاد والعباد.. والسلفيون بحق، والمتسلفون على البنوك بربا بأثر رجعي.. والرجعون بلا رجعة.. والمراجعون لمواقفهم والذين لم يرجعوا لمواقهم.. والإرهابيون التائبون عن الترهيب والراغبون في الترغيب.. والمساندون بلا سند، والزوالية زوالا الأغنياء مساء، والأثرياء الجدد المبيضون للأموال، والعاملون في التهريب والترهيب ورجال النفط والشفط والديوانة ورجال العمايل السودة..والراحل بن عمر بن عودة.. وبوبقرة ونحناح.. والريميتي ووزير الألكتريسيتي.. ورجال العلم بلا علم والتعليم بلا تعلم.. ومدراء المال والاقتصاد والمعامل.. والإداريون في محل تدوير والأطباء بلا طب ومسؤولي الصحة  الله لا يعطيهم لا عافية ولا صحة.. والبوليسية المساكين والبوليسية أولاد ال..والسراق والحراقة والبقارة والنقرة..وأصحاب الشكارة واللي يغش زكارة..والمؤسسون للحشوة والرشوة والعاملين عليها والمعلفة كروشهم..كلهم كانوا هنا يخرجون من القبور شعثا غبرا..عظاما واهية، تجتمع بإرادة خارج عن الإرادة..يتنادون فلا من يجيب كأن الأمر لا يعنيه، لكل منهم شيء يغنيه!
من كل هذه الخلائق، وأنا منهم! وجدت نفسي أحملق في هيكل عظمي يبدو أنه "مصري من جنسية جزائرية" (لغته خليط من المصرية والجزائرية، وكان يشتكي من المصريين: أنا مصري ومنعوني من الدخول بدعوى أني جزائري!). هيكل مثل "محمد حسنين"! غريب البنية: الرأس في مكان المؤخرة، والمؤخرة مكان الرأس! ومع ذلك، (محمد حسنين)..هيكل عظمي يتكلم!
سألت عنه رجلا له سابق معرفة به عن قصة الرجل: قال لي: قصته معروفة! وراح يروي لي القصة:
"هذا الرجل كان مثلنا في السابق! كان كل عضو في مكانه المناسب بعد أن طبق عليه القانون العام: العضو المناسب في المكان المناسب. كل الأعضاء قبلت بهذا التوزيع وهذا التعيين بحسب الكفاءة: تقنوقراط! إلا عضوا واحدا، رفض تعيينه في منصبه: المؤخرة! أصر على الرفض قبل أن يدخل في موقف معارض للنظام القائم. بقي معارضا لفترة، قبل أن يتضح له أنه لن يستطيع تغيير نظام الحكم، فعمد إلى التشويش وأحداث القلاقل والبلبة الداخلية وتأليب الأعضاء المرتبطة مصالحها بمصلحته: المستقيم، المعي الغليظ، الكولون، المعدة.. ثم ما تبقى من التوابع: الكبد، البنكرياس، القلب، الرئتين، الكليتين..! فلقد قرر هذا العضو المعارض للنظام إضرابا عن العمل! وشرع فيها فعلا لمدة 3 أيام حسوما..بعدها لم يتحمل المعي الغليظ الضغط، ولا المعدة..! الكل كان يطالب العضو الذي قبله بالكف عن إدخال المواد الاستهلاكية، لأن لا شيء يخرج! القنوات غير الفضائية مغلقة.. "مبعر" رفح مغلق إلى إشعار آخر! الحصار، الانحصار، الانسداد.. هو عنوان العمل الذي قام به هذا العضو! الذي لم يقبل بمنصبه ورأى فيه "منصبا غير مناصب"!
وحدثت اضطرابات عامة بفعل تأثير عمل "الدومينو": لقد اجتمعت الأعضاء المتضررة على "كلب واحد": مساندة المؤخرة في محنتها هذه التي تعصف بالجسد الذي تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى! وقاموا بانقلاب في شكل "ثورة شعبية"، جعل المؤخرة تحتل مكان الرأس، فيما أوكلت للرأس مهمة المؤخرة!. بعدها بقليل، شرع "الرأس" الجديد يوفر لحلفائه السابقين الذين ساندون ودعموه في الانقلاب على "الرأس"، كل ما يحتاجونه من دعم اقتصادي واستهلاك وفتح لهم أبواب الاستغناء والبيع والشراء والاستيراد والتصدير (تصدير المال فقط!). فاكتسب النظام القائم "شعبية" كبيرة أثنت عليه حتى أوروبا وأمريكا التي سارعت إلى الاعتراف "بثورة 30 مليون عضو"، الذي جعل من الخارج مطمورة الداخل! الروس يصدرون القمح لمصر، والأمريكان..السلاح والمعونات العسكرية والاقتصادية والدعم السياسي الإسرائيلي المنقطع النظير..أوروبا تدعم..الخليج هو الآخر يدعم..والرأس في المؤخرة لا يعلم عن معاناته أحد! أطاحوا به ووضعوا العضو غير المناسب في المكان المناسب! ضيقوا عليه وأرغموه أن يقبل بمهمته الجديدة وأن يوقع على "خاريطة" المستقبل. وها هو اليوم هذا الرجل المبهوث، "القالب الحيران"، لا يعرف ماذا يفعل بعد أن مات النظام بفعل الانقلاب ووجد النظام نفسه يبعث مقلوبا غير منقلب. وسيعلم الذين انقلبوا أي منقلب ينقلبون!
وأفيق من نومي غضبان أسفا وأنا أمسك بلحتي وبرأسي وأقول: إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني..أي حق رفع وأي باطل وقع؟

0 Comments:

Post a Comment

<< Home