Saturday, December 12, 2015

رابعة العدوة




رابعة "العدوة"

أفقت هذه الصبيحة على جلبة بين هرمي خوفو وخفرع، لأجد "منقرع" يقارعني! كان هو بشحمه ولحمه، دون ضمادات المومياء ولا آثار تحنيط. قال لي: أين أنت ذاهب وأنتم تعلم أن هذا هو وقت حظر التجوال والحالة، حالة طوارئ؟ قلت له: لم أسمع بهذا؟ متى حدث هذا؟ أعندما كنت نائما؟ قال لي: بل عندما كنت مستيقظا قبل أن تنام! فهمت فيما بعد، أن رمسيس الفرعون، قد قام بانقلاب على أخناتون. السبب الذي قام به الفرعون، بمعونة السحرة وكهنة المعابد وتجار العبيد والمرابين، والذي سوق لعامة المصريين الغلابة عبر أبواق السحرة الذين استعملوا حبالهم وعصيهم وأصواتهم وصورهم، على أن "النظام القديم" قد "بدل دينهم وأظهر في الأرض الفساد"، بأن وأنه قد صبأ وصار على دين التوحيد وغير قصره إلى طيبة، وتحالف مع يوسف النبي الذي جاء بأبيه وأهله أجمعين من سيناء مع عوائلهم من المؤمنين بالإله الواحد الأحد، من بني يعقوب من إسحاق. وقد ذكر السحرة أن أخناتون المعزول، لم يقم فقط بتغيير دين مصر، بل أراد أن يعزل يغير من بنية النظام الفرعوني المتألهة ويمس بقيادة الجيش وأعوانه ويتحكم في مصائر مصر. لقد ألبوا عليه الشعب التابع المرتبط بسدنة النظام وحاشيته والمنتفعين من تجارة العبيد والربا والخراج وضرائب المال والأعمال الفلاحية والسقي والبناء.
التهمة المدبرة والتي كيد له بها كيدا، هي أن الأسباط الاثنى عشر عندما دخلوا مصر وسجدوا ليوسف بحضور أخناتون، قد جاؤوا في حدود الستين نفرا، ليصبحوا بعد فترة قصيرة، يقال أنها أقل من عام، أكثر عدد وبدؤوا يتحكمون في مصائر الناس، خاصة بعد السنوات العجاف والبقرات السمان اللواتي أكلن السبع العجاب والسبع سنبلات خضر والآخر اليابسات.
وقع الانقلاب في جنح ظلمة ظلام الفجر: قتل من قتل وأحرق من أحرق واعتقل من اعتقل وكمم من كمم، وسمم من سمم، وهدد من هدد، ونفي من نفي، وهرب من هرب، وقنص من قنص، قبل أن يستولي رمسيس على مقاليد السلطة الفرعونية ليعيد مصر إلى الوثنية البشرية المتأهلة وليقول " أنا ربكم الأعلى".
لم أفهم كثيرا مما كان يحدث، لأن ذلك بدا لي كخليط من التاريخ والجغرافيا في الماضي المختلط بالحاضر المشرف على المستقبل. الأزمنة، كلها كانت حاضرة هنا في مخيلتي وأنا أستفيق هذا الصباح على رجة وجلبة لا مثيل لها. كان العبيد يجرون في كل مكان، وقد رفضوا الانقلاب وأعلنوا مساندتهم لأخناتون المسجون إلى الموت. نقل يوسف إلى السجن من جديد، وقال بلسان فصيح: السجن أحب إلي مما تدعونني إليه في اتباع ملة غير ملة آبائي يعقوب وإسحاق وإبراهيم. زعموا أنه هو المرشد، وأن يوسف من الأخوان المسلمين، وأن بني إسرائيل كلهم إخوان.
اختلط علي الأمر، فوجدت نفسي في نفس الزمن، لكن في عصر آخر مختلط مع الماضي: موسى، رفقة أخيه هارون، يبديان الآيات التسعة لفرعون ويطالبان منه السماح لهما بإخراج بني المسلمين من مصر باتجاه طور سيناء بعد أن علق الوصايا العشرة والألواح التي تمثل الدستور، على حائط المبكى. فيرفض الفرعون بكل صرامة، بدعوى أن هؤلاء الإخوان من أتباع موسى، يريدون أن يلتحقوا بسيناء لممارسة الإرهاب الموجود "ديجا" بسيناء ورفح وأن يساندون غزة وسكانها الملتحين.
قامت المظاهرات في كل مكان، وكثر القمع وأعمال السحرة، ولم يستعمل بعد موسى عصاه!!. لم أفهم لماذا لم يستعمل موسى عصاه بعد! ثم تذكرت وقلت في نفسي: هذا النظام، أكثر فظاعة من النظام السوري، يمكن أن يبيد كل من في المدن والبيداء، ولن يبدو له إلا أنه "شاطر" في فعل الـ"خيرت" والأمن والأمان. لقد أنكر كل المعجزات والآيات، وأنكر على موسى معجزة الحية، فكيف به أن يرتدع وأن يؤمن أو يترك أتباع مرسي وموسى يخرجون من سجون النظام والعبودية التي أراد أن يبقيهم فيها إلى الأبد لفائدة الكهنة ورجال المال والفلاحة وأتباع هامان؟.
لم يكتفوا بذلك، بل راحوا يلقون القبض على كل ذي لحية: أمسكوا بكل القردة في حدائق الحيوانات والحدائق العامة ذات اللحى، وضربوها حتى صارت تصرخ: سيسي سيسي.. التيوس، هي الأخرى لم تسلم من بطش جند فرعون، فلقد أرغموا كل تيس وجذي أن يقول عن الانقلاب "ثورة شعبية" عوض أنقلاأأأأأأأب! (على وزن مأأأأأأ..صوت الجذيان)  الطيور، على أشكالها وقعت بين أيديهم وسموها سوء العذاب: ريشوها، ونتفوها مرغمين إياها أن تعترف أنها من الإخوان: الببغاوات كلها أدخلت السجن بتهمة جاهزة "الإرهاب، بعد محاكمة عسكرية طائرة طارئة! وحكم عليها بالإعدام شيا وقليا!!.خاصة وأنها كانت تردد "كالببغاوات" : يسقط حكم العسكر. حتى أبو الهول المسكين، أشبعوه قذفا ورصاصا حيا (وهو ميت) وخرطوشا (وهو مطروشا).. وبالغيب وبالوشاية الكاذبة بأنه من الإخوان المسلمين ابن الكلب، بدليل أن له لحية وأنف مقطوع. فلقد كانوا يقطعون أنف كل من ملك أنفة قول "لا"..لحكم العسكر! البلتاجي، تهمته كانت جاهزة: بلطجي نتاع الإخوان! بدل طاء بالتاء، فتهم بالتزوير والتحريض والبلطجة. حتى أبو الهول هذا، أعترف في الأخير بأنه من جماعة جهادية إرهابية جاء من سيناء لترعيب وترهيب المواطنين في الجيزة ومصر.. التي هي القاهرة.. المقهورة.
عندما أفقت فعلا من نومي، كان التلفزيون يعرض خبرا طريفا حول إلقاء القبض في مصر على لقلاق وبطة وعلى ظهريها رقم تسلسلي قيل أن هذه الطيور تتخابر مع حماس وأمريكا وأوباما لصالح الإخوان المسلمين في مصر.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home