..أنا مريض وحتى مرض ما بي!

أنا مريض وحتى مرض ما بي..

وجدت نفسي قد تعافيت من مرض صغير، كبره الكثيرون، حتى صاروا صغارا في أعيني. ففي الواقع أني لم أكن مريضا على الإطلاق: كرهت وطلع لي "الجبل" للراس، وقررت أن آخذ إجازة، فلم أجد أحسن من إجازة في الخارج. ولما نقول الخارج، نعني به فرنسا بالأساس. هناك، وبسب التهاب برد، دخلت مستشفى "فال"..والناس هنا "فولوا" علي بالمرض، والبعض منهم فولوا علي حتى بالموت. وكلت عليهم ربي.

في الواقع أن هذه الإجازة من مشاكل البيت والعائلة والزوجة والبزاوز، والصراع على الميراث حتى في حياتي، جعلني أكره حياتي، وأهرب إلى فرنسا، حيث دخلت "فال" قبل أن أخرج بصحة جدية وبدون أية إعاقة إلى "les invalides". رفضت أية زيارة، حتى مامي، طلبت منه أن لا يزورني هذه المرة. فقد كان دور "خالد" هذه المرة، لكنه لم يكن موجودا، فكان علي أن أقبل بزيارة "أنريكو"..غير كيفكيف. غير هذا من قسنطينة (التي نحتفل بها السنة المقبلة عاصمة للثقافة العربية)، وذلك من وهران (التي لا أدري متى سنحتفل بها عاصمة للسخافة الغربية). لكن هذا الأخير، طلع مش راجل. كذب وقال بأني كنت جد مريض ولم أكن أقوى حتى على الكلام. وهذا غير صحيح. ولكني أنا من كان لا يريد أن يتكلم معه، فتظاهرت بأني لا أستطيع الكلام، حتى لا يسأل كثيرا عن سبب منعه من زيارة الجزائر التي وعدته بها في زيارتي الرسمية السابقة لفرنسا. لم أستطع أن أقول له صراحة: أنت يهودي صهيوني والجماعي في الأفلان، ما بغاوش يشوفوا كمارتك هناك. تظاهرت بأني مريض ولا استطيع أن أتكلم حتى أخرجه بأقصى سرعة من أمامي. لكنه مع ذلك، راح إلى حراسي وجماعتي هنا، يسألهم عن سبب الرفض، وكأنهم يملكون حق المعرفة ناهيك عن حق الادعاء بها. أنا نفسي لا أعرف السبب الحقيقي. لأن اليهود يدخلون ويخرجون من عندنا كل يوم بالمئات، فلماذا فقط أنريكو؟ هل فقط لأنه قسنطيني وغنى بالعربية "يا بلارج ياطويل القايمة"؟ ربما كل واحد فينا من المسؤولين في الحزب والدولة، يرى نفس بلارج..طويل القايمة، لقلاقا، يسخر منه هذا اليهودي ابن اليهودي واليهودية. لست أدري.

قلت أنه بعد أن خرجت بدون إعاقة والحمد لله إلى "les invalides"، استدعيت مستشارتي للشؤون الأسرية، وأخبرتها بأني أريد أن أرى مادام سولاي لتخبرني عن حظي وقسمتي ونصيبي. كما طلبت مشعوذا سودانيا معروفا بتحكمه في الجن والشياطين وقدرته على إظهار كثير من الخفايا بطلاسمه السحرية.

مادام سولاي، أخبرتي في اليوم الموالي بأن حظي في أزهى أيامه وأن عطارد تطارد المشتري ، ولكن "عمورية" لا يمكن فتحها إلا في موسم جني التين والعنب. قلت لها. "لواه العنب. روحي تنبقي على روحك، أبو تمام خير من بوك بالتمام. سأدخل العهدة الرابعة قبل موسم الكرموس من العام المقبل واللي ما بغاش، يروح يكرمس مع راسه. أما المشعوذ السوداني، فقد أخبرني بما لم ينبئني به أحد من قبل. قال لي إنه يرى النمل قادم من تحت أرجلي جنوبا وأن القمل قد بدأ يغزو شعري الذي ابيض وسقط معظمه، شمالا،  وأن هذا القمل هو من قمل الجدل، أي قمل أبيض، فيما النمل، نمل أسود. كما راح يحدثني عن "عقارب" من داخل البيت، هم من يعملون على إشاعتي موتي بحثا عن التركة وعن كتابة الوصية لهم قبل إعلان وفاة الرجل المريض. أخبرني هذا المشعوذ، أن حياتي ما زالت طويلة وأنه سوف أرى ما لا يرضيني من طرف محيطي الخاص بي، الذي استغنى واستشرى فيه الفساد باسم القرابة والــ(ع)ـقرب مني، ونصحني بأن أطهر لباسي من الدنس وأن أصلي وأصوم الأثنين والخميس وأن أحج إذا خرجت في القرعة أو إذا كنت أملك أحدا من المعارف من يجد لي جواز سفر للحج أو أدفع 15 مليون للحصول على جواز واحد. ونصحني بأن ارسل إلى الحج عجائز دار العجزة وليس عجائز المثقفين. كان يتكلم مع البخار ومجمر النار وأنا أقول: جن أم شيطان هذا الذي يخبره حتى بالأسماء؟. إنه يعرف التفاصيل عن حياتي وعن حياة القصر أكثر مما أعرفه أنا عنه وعن نفسي. رد علي المشعوذ: الجني مسلم، كان أمريكيا ودخل الإسلام على يد بن لادن، وهو اليوم في خدمتي. يقول لي كل ما أطلبه منه ويداوي ويشفي الأمراض التي أطلبها منه وهو من يحددها ويعطيني العلاج والوصفة والتشخيص قبل ذلك. طبعا لم أكن مريضا حتى أطلب منه ذلك/ مع ذلك قلت له: يقدر يداويني؟ قال لي:طبعا. فهذا من عمله أيضا. قلت له: واش عندي؟ وواش يقدر يدير لي؟ قال لي: أنت ماراكش مريض؟ أنت مريض. شكون اللي ماراهش مريض في هذا الجزائر؟ قاع الناس مرضى وتقول مارانيش مريض؟ والله إلا مرض واعر هذا اللي يقول على روحه أنا مانيش مريض. أنت راك مريض. قلت له: على بالي راني مريض، بصح مش المرض نتاع اليأس. قال لي: اليأس هو بداته مرض. الناس راها تييأس في الناس بسبب المرض وباش الشعب يزيد يمرض، بصح يخصك تقول "أنا مريض.. وحتى مرض ما بي"..فأرد عليه مغنيا ومقلدا أنريكو ماسياس" آيلي آيلي لحبيب ديالي فين هو". فيرد علي:شكيب خليل؟ العزيز علي..أيلي آيلي لحبيب ديالي فين هو؟