Saturday, December 12, 2015

أكل رمضا وصوم شوال




أكل رمضان وصوم شوال

خرجت من ثلاثة حروب خاوي الوفاض، خالي الجيب، لأجد نفسي على عتبة حرب رابعة "عدوة"، لا تقل ضراوة، تهيئ لحرب خامسة.
فلقد خضت معركة تحرير "ميدان التحرير" في رمضان: معركة الحريرة بامتياز! فقد كانت الحريرة الوجبة الحاضرة يوميا على المائدة. فأنا أصلا أحب الحريرة على الطريقة المغربية، والتي صرت بارعا في أكلها (أما صناعتها.. فلا علم لي بها ولا ..بغيرها!.. أنا آكل وفقط.. ولهذا يسمونني في رمضان "رئيس التحرير").
كلفني الصيام، أو بالأحرى.. الأكل في شهر الصيام، ما يعادل ضعف مرتبي الشهري، مما جعلني مدانا بمرتب شهر ونصف، كون مرتبي الشهري لا ينهي الشهر العادي فما بالك بالشهر الكريم في رمضان حيث نأكل ما لذ وطاب..وحتى ما لم يطب، احتفاء بالصوم!..(نحن نصوم لنأكل، ولا نأكل لنصوم!).
خرجت إذن من حرب رمضان منهوك القوى البدنية والعقلية والقدرات المالية: زاد وزني بأربع كيلوغرامات، ونقص عقلي بثلاث درجات، وانخفضت قدرتي الشرائية بثلاثة أضعاف: كيف حدث؟ ببساطة، وزني زاد بتضخم الأكل والنوم، كوني كنت أطبق مثل بقية الناس في رمضان مقولة: كل في رمضان لتعيش أبدا، وصم في شوال كأنك تموت غدا". ترتب عن هذا التضخم الاستهلاكي وهذا النهم، أني صرت لا أقدر على التركيز. صار النوم هو المطلب الأساسي لي بعد الأكل والشرب. صرت لا افهم ولا أقرأ. وصرت أنسى كثيرا. نسيت دفع فاتورة الكهرباء فجاءني تهديد بالقطع، ونسيت أكثر من مرة التلفزيون مشغولا ليوم كامل، ونسيت الحنفية مفتوحة بعد انقطاع ظرفي، فجاء الماء و"استوى على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين"..ونسيت عيد ميلاد زوجتي في 25 رمضان (وهو غالبا ما أنساه)..ونسيت أني صائم يوما فأكلت حتى شبعت ..على شبعة الأمس..ولما شبعت..تذكرت أنا صائم! ونسيت، ولبست حذاء أبيض والفردة الأخرى سوداء وخرجت لأعزي صديق في أخ له مات.. فعزاني أبنائي في عقلي لما عدت. أما، فيما يتعلق بالأزمة المالية (والنيجيرية) التي لحقت بي جراء هذا الشهر الكريم..فحدث ولا حرج!..هذا كله لأجد نفسي على أبواب مطالب العيد وألبسة العيد وحلويات العيد وسفريات العيد! الحمد لله أنهم "فليكساونا" الخلصة قبل العيد بثلاثة أيام. الثلث منها ذهب لمقتنيات العيد وبقي الثلث لتسيير الأسبوع الأول من شوال، خاصة وأن ثلاثة أرباع من أفراد (وجواميس) العائلة يصوم 6 أيام الأولى من شوال (يصومونه كأنه واجب وكما لو أنهم يرغبون في التخلص منه، للتفرغ للأكل والشرب طول اليوم..بدعوى أنهم "توالفوا الصيام"..في الحقيقة.. "توالفوا الماكلة"..!.
الحرب التي أنا مقبل عليها هذه الأيام، هي حرب الدخول المدرسي: إذ علي أن أخترع سيناريوه مصري، لكي أكسب بها تأييد المؤسسات الفردية البنكية التي تقرضني قرضا حسنا، أو تعيد هيكلة ديوني الخارجية السابقة لديهم: قرضا على قرض. الحمد لله أنه بدون ربا. هذه الحرب الاقتصادية، هي أخطر من حرب الاقتناء والشراء، لأن رد المال، سيكون صعبا للغاية لضخامة القروض المتراكمة علي منذ سنوات: فأنا الآن أعيش بالكريدي. الحمد لله أن زيادة في الأجور قد سمعت لي لستة أشهر مجتمعة أن تخفض من مستوى الاستدانة لدى الدائنين القدامى، والاستعانة بدائنين جدد، يمكنهم أن يصبروا علي لفترة أطول.
الحرب القادمة، التي أنا على أبوابها أذن هي بسبب وضع "مالي" (والحدود الجنوبية)..ومطلب شعبي. الأدوات المدرسية التي صارت تكلفتها لا تقل عن تكلفة عيد الأضحى..تنذر بحرب عالمية خامجة...فالحروب تتوالى..).لهذا قررت ترشيد الاستهلاك: عندي 3 أبناء و2 بنات يذهبون إلى المدرسة (الحمد لله أن البقية كلهم قد تخرجوا...من طور التعليم.. وخرجوا...زيرو!!):3 في المتوسط، 2 في الابتدائي، والبقية في الثانوي.. أي لا أحد!. أرغمتهم على استعمال ألبسة العيد ليوم واحد من أجل استعمالها في الدخول. وهكذا، "تهنيت" من الألبسة. بقيت الأدوات: الكتب القديمة استخرجتها من تحت الغبار وأرغمت البقية على أن يدبر أمره بالبحث عن كتب قديمة لدى أصدقائهم وأصدقاء الأصدقاء. وحلوا المشكلة..الدفاتر: كل مرة واحد يسلف دفتر على أخيه وينسق معه متى يحتاجه ومتى لا يحتاج إليه. الأقلام: هذا يسلف على هذا.."المفضحة"؟..اللي عندها كانش شكارة وإلا بورسة وإلا كابة قديمة يحلسها..ما عندي باش نشري..! اللي نشريه به..كليتوه في كروشكم في رمضان وفي شوال..الله يسهل...ما عندي باش..! الخلصة القادمة راها باينة: لأصحاب الكريدي..تعلموا تسيروا ميزانيتكم في البيت..ما نزيدش نشري..لأنه ما عنديش باش نشري..! قالوا لي أشرينا فريجيدير..لأن الفريجيدير نتاعنا لم تعد تبرد..! قلت لهم..إذا اشتريت لكم فريجيدير.. معناه نبيع زوج فيكم..! هذا عاد إذا جبتوا السومة..! أما أنتم..فمن هو هذا الأحمق مثلي بن الأحمق مثلكم من يشتري حمقى وبهاليل..كيفكم..؟!
وهكذا حدث. قررت أن أرسل الزوجة إلى أهلها لأجل غير مسمى، وأن أرسل الأبناء عند الجيران والعائلة موعد كل أكل، بدعوى أن أمهم غائبة عن المنزل وأني أعمل. أما أنا فقد صرت ما بين دار ودار، لا أكل في بيتي على الاطلاق. وهكذا، قمت بنزع كابل الثلاجة  والتلفزيون وأغلقت صمامات الغاز والماء، وكونتور الضوء.. ولم يعد بإمكان أحد أن يستعمل شيئا في البيت.
بعد مرور شهر، و"عودة المياه إلى مجاريها" نسبيا، عادت زوجتي، لتكتشف أن البيت قد تحول إلى متحف للخوف: كل شيء كان مقطوعا، حتى التيار الكهربائي..وحتى المرحاض قد نسجت العنكبوت على بوابته وعلى فوهته حجابا مستورا الله يستر.. وقد كتبت عليه " لا حاجة لكم هنا"!!

0 Comments:

Post a Comment

<< Home