Saturday, July 14, 2018

العملاء ورثة الأثرياء


العملاء ورثة الأثرياء

لم تكن الثروة دوما منافية للإيمان كما لم يكن الغنى دوما رفيقا للفحش. فالمال الحلال مطلب ديني ومدني! ولما نتحدث عن الحلال، نقصد به الوجه الشرعي الذي لا ريبة ولا ربا فيه ولا غش ولا دنس. وهذا ما يصعب تحقيقه اليوم في ضل اللبس والملابسات التي تحوم وتعوم فيها التعاملات التجارية الدولية والداخلية. سيدنا عثمان كان غنيا، لكنه كان زاهدا! حتى أننا نجد الشيخ محي الدين بن عربي يعرف الزهد قائلا: الزهد فيما تملك وليس فيما لا تملك! أي أن الفقير الزاهد في مال لا يمكله ليس بزهد لأنه لا مال له أصلا حتى يزهد فيه. الزهد الحقيقي لما يكون معك مال وتزهد فيه وتنفقه ولا تكدسه كما كانت تفعل بنو إسرائيل. هكذا، يقول لنا التاريخ أن كل الحضارات التي انبنت على تكديس الثروة، سيصحبها الفساد، وإذا عم الفساد، عم الخراب وعم التعامل مع العدو وانتشر الفحش والنصب والاحتيال والنفاق والتذلل للمال وليس لرب المال.
انتهى رمضان، وسيحل العيد، وقد سمعنا من المنكرات أي سماع: نهب لصندوق الزكاة من هنا، سرقة تبرعات المصلين لبناء المساجد من هناك! هذا داخل بيوت الله والفاعلون أحيانا هم القائمون على شؤون الناس الدينية والخطابة على المنابر! فما بالك ممن يكدس الثورة خارج المسجد بوسائط الاحتيار والنهب والكيف والكوكايين بالقناطير؟ الأمر ليس بالبسيط، لأننا تحولنا إلى عبيد للمال! حتى من يصلون ويصومون ويعمرون خمس مرات في العام ويحجون كل سنة بالتحايل أحيانا والادعاء أنهم لم يحجون منذ 5 سنوات! كل شيء تحول إلى بزنس، من أجل المال. كيف لنا أن نبني دولة وأمة وهيبة ونحن في الأمة الإسلامية نبيع مواقفنا بفلوس وبالمناصب؟ الأردن يتعرض للابتزاز بسبب موقفه من الأقصى! غزة تجوع وتحاصر وسط بحر من المال! تونس تتعرض لحملة تفليس بسبب وجود تيار إسلامي! ليبيا تباد على أيدي الميليشيات والعصب الناهبة والهاربة والأموال المتدفقة من دول الجوار في الخليج. اليمن يباد بمال النفط، العراق انتهى إلى البداية مع حريق للصناديق، سورية تدمر داخليا وخارجيا بمال الدولة الغربية ومال النفط أيضا. والآن إيران يراد لها أن تلحق بالركب لأنها لم تقبل لإسرائيل وأمريكا أن تركبها! إنه اللهث وراء وسخ الدنيا وملذات لا طائل من ورائها سوى أن تجر الدمار والخراب! الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء! مع ذلك، نسب الشيطان وهو يضحك ويسخر منا! نسبه ونأتي أفعاله أو أكثر. هذا التوجه نحو عبادة المال والجاه والمناصب، دون ضوابط أخلاقية ولا نزاهة إنسانية ولا حتى مروءة، هي من تؤهلنا لنهاية التاريخ.
مع ذلك، لا يزال الخير على قلته كثيرا. والقلة في الخير توفر الخير لبقية أفعال الشر حتى يزنه ويعادله! فالحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها. هذه المعادلة هي التي تجعلنا دوما متفائلين بخير آت، إنما مع الزهد في الإنفاق على الملذات لأنها أثر زائل. الشيخ محي الدين بن عربي يقول عن الزهد دائما: "الزهد هو أنك لا تأسى ما فات ولا تفرح بما هو آت!"، وهذه هي القاعدة البيانية الأساسية للمسلم اليوم..من أجل إسلام الغد ونحن على مشارف حقبة في غاية الخطورة وفي غاية الصعوبة بسبب التحديات التي تفرضها علينا القوى الكبرى.. وليس التحدي الأكبر هو تحدي النفس الأمارة بالسوء..
13 ماي 2018



0 Comments:

Post a Comment

<< Home