Tuesday, May 27, 2014

الحكومة تعجن والشعب يخبز



الحكومة تعجن والشعب يخبز

نمت لأجد نفسي قد أودعت سجنا لا ترى فيه فمك! عوض أن تأخذ الملعقة (إن وجدت ما يؤكل) إلى فمك، تأخذها إلى الحائط من خلفك!. حدث هذا بعد أن خرجت في مظاهرة سلمية ممنوعة، ضد عدم ترشح بوتفليقة! فقد كنت أنادي "ميزيرية ويحيا بوتفليقة"، ففهم الإخوة أني ضد ترشح بوتفليقة، رغم أني موافق على موته رئيسا مدى العمر! الواقفة خير من التالفة، واللي كاين خير من اللي يجي! واللي يمشي خير من اللي كاين، واللي رايح خير من اللي جاي! هكذا أنا أرى الأشياء بمخي الصغير.
أودعت السجن لفترة بدت لي سنة، قبل أن يأتي لي اثنان من نزلاء السجن. كان الأول خبازا وكان الثاني بائع خمور! أوقف الأول في نفس المظاهرة، لأنه كان ضد تسعيرة الخبز الحالية، ويطالب الرئيس بخفض سعر الخبز وأن لا يبقى الرئيس غير "يعجن والشعب يخبز". أما الثاني فأوقف بسبب بيع خمور فاسدة واتهموه بأنه يعمل على تسميم الشعب المسلم من خلال بيعه إياه خمرا مغشوشا مضاف إليه الماء وقليل من الأسيد! أقسم لهم أنه استورده من الصين الشعبية بالمواصفات "الدولية" وأنه خمر لذة للشاربين. (والحقيقة أن الأمر لم يكن يعدو كونه وشاية طازجة. فقد أدخله السجن قاضي باع له 10 زجاجات ويسكي عوض أن يعطيها له " في سبيل الله"!، مع وشاية جمركي لم ينل من هذا "الخير الوفير" قرعة واحدة!).
جاءني الأول وأخبرني أنه رأى في المنام أنه يبيع خبزا على رأسه كخباز متجول! وينادي "الكسرة باطل، الخبر بانكس، الشدق بلا مدغ، كول ورحم..! قلت له: أنت سيكون لك شأن عظيم! على عكس تفسير سيدنا يوسف! أنت ستكون رئيس حملة بوتفليقة: وعود جوفاء وبيع للأحلام. أما الثاني فقال لي أنه رأى أنه يسقي الوزراء خمرا معتقة وأنه رأى رئيس الحكومة ثملا وينشد شعرا لأبي نواس: إذا ما نديمي علني ثم علني// ثلث زجاجات لهن هدير// خرجت أجر الذيل وكأنني// يا أبا تفليقة عليك أمير. قلت له: أنت مصيرك أن تخرج مع زميلك بعد يومين لتجد نفسك "قراب" تبيع الماء الحلو بدينار للكأس أو بالمجان كعقوبة لك، تمشي بالحفاء وشعرك منتوف وأنت أعمى وتشوف! وهذا ما حدث فعلا، لكن عوض أن أقول للأول :أذكرني عند ربك! قلت له: ما تجبدنيش يرحم بوك، أخطيني منهم!
لكن، بعد يومين فقط، جاءوني، وأخرجوني من السجن وقادوني إلى بيت القيصر اقتصر (وليس إلى قصره!) كان مضطجعا ويتفرج على رسوم متحركة من نوع "بوباي" وتوم و"بصل". أمر بتركي وحيدا معه ليقول لي: سمعت أنك مثل يوسف تؤول الرؤى! قلت له: استغفر الله سيدي الرئيس، أنا مجرد قارئ لابن سيرين وبعض كتب تفسير الأحلام والمنامات! قال لي: علمت أنك فسرت بعض الرؤى التي صدقت فهل فسرت لي رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون! قلت له: أضغاث أحلام (مستغانمي) بالتأكيد! كلام روايات وأدب وخرطي! قال لي: لا تقل هذا قبل أن تسمع. قلت له: تفضل أحك أيها الرئيس. قال لي: رأيت 10 ذئاب كفاف، يفترسون 10 نعاج عجاف، ثم رأيت 7 ضباع ثقاف و7 نمور أجلاف، يتربصون بسبع قطط خفاف و7 فئران ضعاف، فيما القطط تتربص بالفئران!
 قلت له: أما الذئاب العشرة، فهي سنوات عشرية التسعينات، من 1990 إلى 2000، التي حولت الناس إلى ذئاب بشرية يأكل بعضهم بعضا ويفترس أحدهم الآخر. أما النعاج العشرة الهزيلة، فهي السنوات العشرة التي أعقبت ذلك، أي من 2000 إلى 2010، والتي كثر فيها الفقر كما كثر فيها الثراء الفاحش والفساد، فهزلت التنمية وتبددت محاصيل النفط بين أمراء الفساد والشفط. أما الضباع السبعة فهم قطاعات: التعليم، الطاقة، السياحة، الثقافة، النقل، الاتصالات والفلاحة مع النمور الثمانية: المالية، الداخلية، الصحة، التجارة، الاتصال، الرياضة والتشغيل، هؤلاء 14 متربص، يتربصون بالقطط السبعة الذين هم: التجار، السماسرة، وكلاء السيارت، وكلاء البناء، وكلاء العقارات وكلاء السياحة والأسفار والعمرة والحج، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. الفئران السبعة هم: المعلمون والأساتذة، موظفو الإدارة العمومية، الأطباء الشباب، موظفو ما قبل التشغيل، منظفو الشوارع، الطلبة والتلاميذ والأئمة والقيمين والمؤذنين. هذا يأكل هذا، الحوت الكبير يأكل الحوت الصغير وطاق على من طاق.
قال لي بعد أن سمع طويلا ولم يقاطعني: ماذا تتوقع مني تجاهك؟ هل تتوقع أن أكرم مثواك وأن أقربك منا، بعد أن أدخلت السجن خطأ؟، أم أنك تتوقع شيئا آخر؟: هذا أيضا شبه منام، فسره إذن! قلت له: سيادة الرئيس، هذا المنام لا يفسره حتى يوسف عليه السلام نفسه، لا يفسره إلا  "أمنحوتب الرابع" صاحب العهدة الرابعة!
ضحك وقال لي: كنت أتوقع أن تجيبني على هذا النحو. أنت لست بالتأكيد يوسف، وأنا أكيد  لست "سيدنا" "أمنحوتب لا الثالث ولا الرابع"، أن هو  سيدنا "خوفو". قلت له: وأنا هو "منقرع": أنت عندك هرم تهرم فيه، وأنا عندي قبر أردم فيه! أعرف أنك ستودعني السجن ثانية إلى أن ترضى بتأويل يناسب جنابك ويحمد سنواتك الطوال وأجعل من القطط والفئران سواسي كأسنان :"المش" والضباع والنمور، غزلانا وظباء! وهذا لن يحدث، لأن الغابة التي أنتجناها جميعا من بعد الانفتاح الديمقراطي والتعددي، لم تنبت شجرا و لا ورودا، بل أنجنب كواسر وضواري ووحوشا. ولن نتمكن من الجميع بين الغزلان والظباء ووحوش الضواري، إلا بالعودة إلى عامة الشعب لا "الوعدة عليه" وهو وعد، والدعوة له وهو وعيد، والادعاء له وهو عدو، والتعدي عليه وهو موعود!
وأفيق من نومي وأنا أنادي أبني يوسف: يوسف إجر.. إجر! أروح فسر لبوك ما رآه في منام على الفيس ـ بوك!